التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ما كذب الفؤاد ما رأى 11 أفتمارونه على ما يرى 12 ولقد رآه نزلة أخرى 13 عند سدرة المنتهى 14 عندها جنة المأوى 15 إذ يغشى السدرة ما يغشى 16 ما زاغ البصر وما طغى 17 لقد رأى من آيات ربه الكبرى 18}

صفحة 6643 - الجزء 9

  شَعْرِي منه، قال مسروق: قلت: رويدًا يا أم المؤمِنِينَ، وقرأت عليها: {وَالنَّجْمِ} حتى انتهيت إلى قوله: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} فقالت: رويدًا، أين يذهب بك؟ إنما رأى جبريل في صورته، مَنْ حدثك أن محمدًا رأى ربه فقد كذب، والله - تعالى - يقول: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}⁣[الأنعام: ١٠٣] وَمَنْ حدثك أن محمدًا يعلم الخمس من الغيب فقد كذب، والله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}⁣[لقمان: ٢٤] ومن حدثك أن محمدًا كتم شيئًا من الوحي فقد كذب، والله تعالى يقول: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}⁣[المائدة: ٦٧]. ولأنه قد ثبت بالدليل أنه تعالى ليس بمرئي؛ أي: في ذاته، وقد بين النبي ÷ لما سئل أرأيت ربك؟ فقال: «نُورٌ أَنَّى أراه»، فأشار إلى أن المرئي إما أن يكون جوهرًا أو لونًا، وقد بين الله - سبحانه - وتعالى بيانًا شافيًا، فقال: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}، وقال: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ١٣ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}، ولا يجوز عليه المكان.

  «أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى» أتجادلونه، وتمرونه تجحدونه «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى» أي: مرة أخرى، قيل: جبريل، عن ابن مسعود، وعائشة، ومجاهد، والربيع، قالوا: رآه في صورته التي خلقه الله تعالى عليها مرتين، مرة في الأفق الأعلى على ما تقدم، ومرة عند سدرة المنتهى، وقيل: رأى ربه بقلبه، عن ابن عباس، يعني لما رأى من ملكوته ثَمَّ، والأول أوجه، وعليه تحمل الآية، وتقديره: نزلة، أي: رآه نازلاً نزلة أخرى، وعن عائشة: قالت: أنا أول من سأل النبي ÷ عن هذه الآية فقال: «هو جبريل»، «عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى» قيل: شجرة النبق، وقيل: سدرة المنتهى؛ لأن رؤية