قوله تعالى: {ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى 31 الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى 32 أفرأيت الذي تولى 33 وأعطى قليلا وأكدى 34 أعنده علم الغيب فهو يرى 35}
  · المعنى: لما تقدم الوعد والوعيد بَيَّنَ أنه مالك الدارين، القادر على الجزاء، وبَيَّنَ كيف يجازي، فقال - سبحانه -: «وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» ملكًا وخلقًا، وقيل: المراد بما في السماوات هو الجنة، وبما في الأرض النار، فبين أن الجنة والنار من مقدوراته، معدة للجزاء، والأول أوجه لعمومه. «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى» يعني لَمَّا كان مالكًا، فإنما كَلَّفَ لِيَجْزِيَ، وقيل: عاقبتهم الجزاء، وقيل: أقسم أنه يجازي المسيء بعمله، والمحسن بعمله، والحسنى قيل: الجنة، وقيل: الإحسان.
  ثم وصف الَّذِينَ أحسنوا، فقال - سبحانه -: «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ» قد تقدم البيان للكبائر ما قيل فيه، والصحيح عندنا أن الكبير ما يزيد عقابه على ثواب فاعله، كالقتل والزنا، ونحو ذلك، وقيل: ما لا يكفره إلا التوبة. والفواحش: كل قبيح فاحش، وهو أوجه، وقيل: هو الزنا «إِلَّا اللَّمَمَ» اختلفوا فيه، فالذي عليه مشايخنا أنه الصغائر من الذنوب، عمدًا أو سهوًا، ونظير هذه الآية قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[النساء: ٣١] وهو قول أبي علي، وأبي مسلم، والقاضي.
  فأما المفسرون، فمنهم من يجعل {إِلَّا اللَّمَمَ} من الكبائر، ويجعل الاستثناء حقيقة، ثم اختلفوا، فقيل: اللمم أن يأتي بفاحشة أو كبيرة ثم يتوب ولا يصر، عن أبي هريرة، ومجاهد، والحسن، وأبي صالح، وروي نحوه عن ابن عباس، وقيل: اللمم ما دون الشرك، عن عبد الله ابن عمرو بن العاص.
  ومنهم من يجعل الاستثناء منقطعًا، ولا يجعل اللمم من الكبائر، ويقول: معناه لكن اللمم، ثم اختلفوا، فقيل: هو ما سلف في الجاهلية لا يؤاخذهم بها، وكان المشركون يقولون للمسلمين: إنهم كانوا معنا بالأمس، فأنزل الله تعالى هذه الآية، عن زيد بن ثابت، وزيد بن أسلم، وروي نحوه عن ابن عباس.