التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أم لم ينبأ بما في صحف موسى 36 وإبراهيم الذي وفى 37 ألا تزر وازرة وزر أخرى 38 وأن ليس للإنسان إلا ما سعى 39 وأن سعيه سوف يرى 40 ثم يجزاه الجزاء الأوفى 41 وأن إلى ربك المنتهى 42 وأنه هو أضحك وأبكى 43 وأنه هو أمات وأحيا 44 وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى 45 من نطفة إذا تمنى 46 وأن عليه النشأة الأخرى 47}

صفحة 6663 - الجزء 9

  أضحكني فلان، وأبكاني فلان، عن عطاء، والأصم، وأبي علي، فأضحك بما أعطى من اللذات والمسرات، وأبكى بالمصائب والأحزان، وقيل: أضحك أهل الجنة في الجنة، وأبكى أهل النار في النار، عن مجاهد، وقيل: أضحك الأشجار بالأنوار، وأبكى السحاب بالأمطار، وقيل: أضحك المطيع بالرحمة، وأبكى العاصي بالسخطة، وقيل: أضحك المؤمن في الآخرة، وأبكاه في الدنيا، وقيل: هو هذا الضحك والبكاء، يعني أنه خلقهما، وهذا لا يصح؛ لأنه فعل العبد «وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا» قيل: هو القادر على أن يحيي ويميت، وقيل: أمات في الدنيا، وأحيا في القيامة، وقيل: أمات قومًا، وأحيا قومًا، وقيل: أمات الآباء، وأحيا الأبناء «وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى. مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى» قيل: تخرج من الرجل وتنصبُّ في الرحم، عن عطاء، والضحاك، وأبي علي، يقال: أَمْنَى إذا خرج مَنِيُّهُ، كما يقال: أنجى إذا خرج منه النجو، وقيل: تُمْنَى تقدر منه الولد، عن جماعة.

  ومتى قيل: فما الفائدة في ذكر النطفة؟

  قلنا: إذا كان المقدور في الرحم ماء مهينًا، ثم يخرج منه بشرًا سويًّا حيًّا، فإنه يدل على صانع مختار، ولأنه إذا كان الماء واحدًا، والرحم واحدًا، والمخلوق به يختلف، فمن لحم، وعظم، وشعر، وجلد، فدل أنه يتعلق بقادر، عالم، حي مختار.

  «وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى» أن عليه أن يبعث الناس أحياء يوم القيامة للجزاء.

  ومتى قيل: أليس (على) كلمة إيجاب، فكيف يجب عليه؟

  قلنا: إذا كلف وضمن الثواب، وآلَمَ وضمن العوض، ولم يعوض في الدنيا، وخلى بين المظلوم والظالم، فلا بد من دار أخرى يقع فيه الجزاء والانتصاف، ولأنه تعالى وعد به، فوجب أن يفي به.