التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أم لم ينبأ بما في صحف موسى 36 وإبراهيم الذي وفى 37 ألا تزر وازرة وزر أخرى 38 وأن ليس للإنسان إلا ما سعى 39 وأن سعيه سوف يرى 40 ثم يجزاه الجزاء الأوفى 41 وأن إلى ربك المنتهى 42 وأنه هو أضحك وأبكى 43 وأنه هو أمات وأحيا 44 وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى 45 من نطفة إذا تمنى 46 وأن عليه النشأة الأخرى 47}

صفحة 6664 - الجزء 9

  · الأحكام: الآيات تدل على أحكام عقلية وأحكام شرعية:

  أما العقليات:

  فتدل على أنه لا يؤخذ أحد بذنب غيره، ولا ينتفع أحد بعمل غيره، فيبطل قول الْمُجْبِرَة من وجوه في مسائل:

  أولها: قولهم: إن أطفال المشركين يعذبون بذنوب آبائهم.

  وثانيها: قولهم: إنه يعذبهم على فِعْلٍ خلقه فيهم واضطرهم إليه.

  وثالثها: قولهم: إنه يثيب المطيع بطاعة هو الفاعل والخالق لها.

  ورابعها: قولهم: إنه يحمل ذنوب بعض العباد على بعض، فيعذب الكفار بذنوب المؤمنين، ويثاب المؤمنون بأعمال الملائكة.

  وخامسها: قول بعضهم: إنه يجوز أن يعذب الأنبياء، ويثيب الفراعنة.

  وسادسها: قولهم: إن طاعات الظلمة تدفع إلى خصومهم، فإن بقي شيء حمل عليهم من ذنوب خصومهم.

  وتدل أن جميع ذلك مكتوب في الصحف المتقدمة؛ لأن ما كان واجبًا، أو قبيحًا، أو حسنًا في العقل لا تختلف فيه الشرائع.

  ومتى قيل: أليس روي عن ابن عباس أن الآية منسوخة، وأن الأبناء يدخلون الجنة بصلاح الآباء؟ وعن عكرمة: أن ذلك في ملة إبراهيم وموسى، وأما في ملتنا، فلهم ما سعوا، أو لهم ما سعى لهم غيرهم؟ أوَليس - النبي ÷ «أمر الخثعمية أن تحج عن أبيها»، وحديث سعد قال: هل لأمي إن تطوعت عنها؟ قال: «نعم». وعن الربيع بن أنس: أن هذا في الكافر، فأما المؤمن فله ما سعى، وما سُعِي له؟