التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر 1 وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر 2 وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر 3 ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر 4 حكمة بالغة فما تغن النذر 5}

صفحة 6676 - الجزء 9

  ومتى قيل: فهلا رآه أهل البلدان؟

  قلنا: القمر قد ستره الغيم، وَرُئي في موضع دون موضع، ولأنه كان بالليل وقت نوم وغفلة، فلم يشتهر، ولم يره كل أحد، ولأنه لم يلبث وقت الانشقاق؛ بل كانت ساعة؛ لذلك لم يشتهر، على أنه كان مشهورًا بينهم؛ لأنه ÷ كان يقرأ عليهم هذه السورة ولا ينكره منكر، ولا يكذبه أحد مع كثرة الأعداء وحرصهم على تكذيبه، وقيل: انشق القمر، أي اتضح الأمر، وهكذا عادة العرب، إذا وصفوا الأمر بالظهور، قالوا: هو كالشمس، ولأنه قال: «وِإنْ يَرَوْا» ولم يقل: رأوا، عن أبي مسلم، وهذا لا يصح؛ لأن ما ذكره مجاز، فلا يعدل عن الحقيقة ولا مانع من حمله عليها.

  «وَإِنْ يَرَوْا» أي: من عاداتهم إذا رأوا، وقيل: معناه إذا. رأوا «آيَةً» أخرى قالوا سحر كما قالوا في هذه «وَإِنْ يَرَوْا آيَةً» له أي: معجزة وحجة على صدقه «يعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ» تمويه «مُسْتَمِرٌّ» قيل: ذاهب مضمحل ولا يبقى، عن مجاهد، وقتادة، والفراء، والكسائي، وقيل: مستمر محكم شديد قوي، عن أبي العالية، والضحاك، وقيل: غالب، عن قتادة، وقيل: نافذ ماض فيما يرويه، عن الربيع، وأبي علي، وقيل: باطل، عن أبي عبيدة، وقيل: يشبه بعضه بعضًنا، وقيل: سحر مستمر من الأرض إلى السماء، وقيل: ثابت دال، عن الزجاج، وقيل: مُرّ. «وَكَذَّبُوا» يعني بآيات الله التي رأوها كانشقاق القمر. وغيره، وقيل: بالقرآن، وقيل: بمحمد ÷ «وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ» في التكذيب «وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ» قيل: أمر يثبت، فالحق يستقر ولا يبطل بتكذيبهم، وقيل: من خير وشر مستقر، حتى يجازى به في الجنة أو في النار، عن قتادة، معناه: يستقر بأهل الخير الخير، وبأهل الشر الشر والعذاب، وقيل: لكل أمر منتهىً، عن مقاتل، أي: ينتهي إلى غايته وقراره، وقيل: لكل أمر حقيقة، وحقيقة التصديق والتكذيب يُعْلَمُ بالثواب والعقاب في الآخرة، عن أبي علي، وقيل: كل ما قُدِّرَ كائن واقع لا محالة، لا يزول؛ بل يستقر قراره كما قدره تعالى «وَلَقَدْ جَاءَهُمْ» يعني أهل مكة ومن حولهم «مِنَ الْأَنْبَاءِ» قيل: من أخبار الأمم الَّذِينَ أهلكوا بأنواع العذاب «مَا فِيهِ» كفاية في الزجر عن الكفر والمعاصي، وقيل: هي القرآن الذي