قوله تعالى: {إن المجرمين في ضلال وسعر 47 يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر 48 إنا كل شيء خلقناه بقدر 49 وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر 50 ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر 51 وكل شيء فعلوه في الزبر 52 وكل صغير وكبير مستطر 53 إن المتقين في جنات ونهر 54 في مقعد صدق عند مليك مقتدر 55}
  الآية أنهم كذبوا الرسل، فلا بد أن يكون مذهبه خلاف ما قالوا، وهو مذهب أهل العدل.
  ومنها: أن أهل القبلة اختلفوا في الكفر، والمعاصي، والإلحاد، والزندقة، وعبادة الأصنام، وتكذيب الأنبياء وقتلهم، وادعاء الربوبية، ونفي الصانع، والقول بالاثنين، والتثليث، وغير ذلك من الأشياء المنكرة، هل هو فعل العبد، أو خلق الله فيهم؟ وهل أولئك استحقوا العقاب بفعلهم، أو بخلق الله تعالى؟ فالْمُجْبِرَة أضافوا جميع ذلك إلى خلقه، وزعموا أنه الذي أوجدها وأحدثها، ولولا إيجاده لما وجدت، وقال أهل العدل والتوحيد: الله تعالى بريء من ذلك؛ بل العبد يفعله حتى استحق العقاب، والاسم أبدًا يؤخذ من الإثبات، كما يقال: مَحَكِّمَة للخوارج، ومشبهة، ومجبرة، ورافضة ونحوها.
  ومنها: أنهم لهجوا بإضافة جميع الأشياء حسنها وقبيحها إلى قضاء الله تعالى وقدره، وجعلوا ذلك عذرًا لكل ملحد وكافر، ولإبليس وأتباعه، فسموا قدرية، كما يسمى من لهج بالتمر: تمري، ولهج باللبن: لبني.
  ومنها: أنه شبههم بالمجوس من سائر الكفار، فلا بد أن يكون لمعنى، وذلك أن مذهب المجوس أن القادر على الخير لا يقدر على الشر، والقادر على الشر لا يقدر على الخير، ومع ذلك يصح الأمر والنهي والمدح والذم، وهذا بعينه مذهب الْمُجْبِرَة أن المؤمن لا يقدر على الكفر، والكافر لا يقدر على الإيمان، ومع ذلك يصح الأمر والنهي، والمدح والذم، وأهل العدل على الضد من مذاهبهم جميعًا؛ لأن عندهم مَنْ قَدَرَ على الخير لا بد أن يقدر على الشر، والقادر على الشر يقدر على الخير، محال أن يقدر على أحدهما دون الآخر، وعندهم جميعا محال أن يقدر عليهما.
  ومنها: أن مذهب المجوس أن الخَيّر مطبوع على الخير، والشرير مطبوع على الشر، وهو مذهب الجبر، وعند أهل العدل أن العبد مُخَير.