التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن المجرمين في ضلال وسعر 47 يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر 48 إنا كل شيء خلقناه بقدر 49 وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر 50 ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر 51 وكل شيء فعلوه في الزبر 52 وكل صغير وكبير مستطر 53 إن المتقين في جنات ونهر 54 في مقعد صدق عند مليك مقتدر 55}

صفحة 6705 - الجزء 9

  المكان بالصدق لكونه رقيقًا مضيئًا، وقيل: لأنه يدوم وغيره يزول «عِنْدَ مَلِيكٍ» قيل: في علم الله، صائرون إلى ذلك الموضع، عن أبي علي، وقيل: ذلك المقعد مقعد صدق عنده؛ لما هو عليه من دوام النعيم، وقيل: بالمكان الذي هيأه لأوليائه، والمليك: المالك، والمقتدر: القادر، عن أبي علي.

  · الأحكام: يدل قوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} عقيب ما تقدم أن الذي يخلقه من العقاب بحسب الاستحقاق، فلا حيف فيه، وهذا أليق بالآية ونظم الكلام.

  ويدل قوله: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} أن في الذنوب كبيرًا وصغيرًا، وأن جميع ذلك مكتوب محفوظ للجزاء، خلاف ما قاله قوم: إن الصغائر لا تثبت.

  ومتى قيل: أليس الصغائر مغفورة؟

  قلنا: لا صغير للكافر والفاسق، وإنما الصغائر للمؤمن، فتثبت الموازنة أيضًا، وقد فسرت المشبهة الكاذبة على الله تعالى والْمُجْبِرَة المفترية عليه هذه الآيات بتفاسير لا يشهد لها ظاهرها، ولا لهم عليها دليل في العقل والشرع.

  أما المشبهة فذكروا في قوله: {عِنْدَ مَلِيكٍ} أنهم يحيون مع الجبار، وأنه يقعدهم معه على سريره، ورووا أن أهل الجنة يدخلون كل يوم مرتين على الجبار يؤثرون عليه القرآن، ثم ينصرفون إلى رحالهم ناعمين، إلى غير ذلك من الصورة والأعضاء، والذهاب والمجيء، وأنه يحتجب أحيانًا، ويظهر أحيانًا بصورة ملك، تعالى الله عن ذلك، وقد ثبت أنه ليس بجسم، وأنه لا يجوز عليه المكان، ولا شيء من صفات الأجسام.

  فأما الْمُجْبِرَة فقالوا في قوله: {خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}: أنه خلق أعمال العباد، وأي ظاهر يشهد لهم، ولأَيِّ شيء حملوه عليه، لولا الهوى واتباع الإلف والتقليد، ونعوذ بِاللَّهِ من الجهل.