التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم 11 يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم 12 يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب 13 ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور 14 فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير 15}

صفحة 6786 - الجزء 9

  فيستغيثون، ويقولون هذا، «قِيلَ» للمنافقين «ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ» أي: من حيث جئتم، يعني إلى دار التكليف واعملوا صالحًا ليكون لكم نورًا «فَالْتَمِسُوا نُورًا» بالأعمال الصالحة وهم يعلمون أنه لا سبيل إليه، وإنما قالوه توبيخًا وتقريعًا أي: هلَّا عملتم في الدنيا ما عملنا حتى يحصل لكم النور، وقيل: نور كل أحد بقدر ثوابه «فَضُرِبَ بَينَهُمْ بِسُورٍ» الباء صلة، وهو حاجز بين الجنة والنار، وقيل: هو سور على الحقيقة، وقيل: يكون ذلك بالشام وبيت المقدس، عن ابن عباس، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمر، وكعب، وقيل: الظلمة الشديدة تمنعهم عن المشي معهم «لَهُ بَابٌ» في الحقيقة، وقيل: هو مَثَلٌ «بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ» يعني داخل السور الجنة وخارجه جهنم، وقيل: أراد بالعذاب والرحمة النور والظلمة، فيقول المنافقون عند ذلك للمؤمنين «يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ» في الدنيا نصلي ونصوم ونوافقكم في الدين ويجري بينهما التوارث والتناكح «قَالُوا» يعني المؤمنين المجيبين لهم «بَلَى» كنتم معنا في الظاهر «وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ» وتعرضتم للفتنة بالكفر والمعاصي والرجوع عن الإسلام، وقيل: أهلكتم أنفسكم بالنفاق، وقيل: فتنتم أي: شددتم الأمر على أنفسكم بالنفاق «وَتَرَبَّصْتُمْ» قيل: انتظرتم بالرسول والمؤمنين الدوائر، وقلتم: يوشك أن يهلك محمد، فنستريح منه، عن مقاتل. وقيل: تربصتم بالإيمان والتوبة «وَارْتَبْتُمْ» شككتم في الدين «وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ» أي: غركم ما كنتم تمنون من الأباطيل حتى طمعتم في غير مطمع، وقيل: غركم طول الأمل، عن أبي بكر الوراق. وقيل: الأماني الكاذبة في الخلاص من الرسول بهلاكه وإبطال دينه «حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ» أي: كنتم على ذلك مُصرين حتى جاء الموت «وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ» الشيطان، وقيل: كانوا على خدعة من الشيطان حتى ألقوا في النار، عن قتادة. وقيل: الغرور: الدنيا، وقيل: رؤساء الضلالة وعلماء السوء حيث جَرَّؤُوهُمْ على المعاصي «فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ» أيها المنافقون «فِدْيَةٌ» أي: بَدَلٌ وعوض «وَلاَ مِنَ