التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون 16 اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون 17 إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم 18 والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم 19 اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور 20}

صفحة 6791 - الجزء 9

  وقيل: نزلت في المؤمنين، عن ابن مسعود، قالوا: لما سألوا أن يحدثهم وكرروا نزلت هذه الآية، قال ابن مسعود: ما كان بين إسلامنا وبين أنْ عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين.

  وعن ابن عباس أنه تعالى عاتبهم بهذه الآية على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن.

  وقيل: نزل في قوم من المسلمين أولعوا باللعب لَمَّا اتسع عليهم المال بعد الفتح، وحصلوا في الأمن والخصب وتركوا آداب الإسلام، وأخذوا في المزاح والكلام فيما لا يعنيهم، عن مجاهد.

  · المعنى: ثم دعاهم تعالى إلى طاعته بألطف دعاء، فقال - سبحانه -: «أَلَمْ يَأْنِ» ألم يَحِنْ «لِلَّذِينَ آمَنُوا» قيل: بلسانهم دون قلوبهم، وقيل: صدقوا بالقلب واللسان وتركوا الأفعال «أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ» قيل: القرآن، وقيل: المواعظ والزواجر، وقيل: ذكر أدلة التوحيد والعدل وذكر قدرته على البعث والجزاء «وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ» قيل: القرآن «وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ» يعني اليهود والنصارى «فَطَالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ» أي: الزمان والدهر، قيل: طال عليهم أمد الجزاء، وقيل: الأمد ما بين زمانهم وزمان نبيهم موسى #، وقيل: زمان أنبيائهم، وقيل: أمد الآخرة، وقيل: لما تردد الوعيد في مسامعهم قست قلوبهم، عن أبي علي. وقيل: لما طال عليهم الأمد وكان التوراة تحول بينهم وبين شهواتهم اخترعوا كتابًا وعرضوه على بني إسرائيل فقبلوه، وقيل: أراد أن مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة طال عليهم الأمد في خروج النبي ÷ {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} وروي أن وفدًا من اليمن قدموا، فسمعوا القرآن فبكوا، فقال أبو بكر: هكذا كنا حتى قست القلوب، أشار إلى أن قلوب المشايخ أقسى لكثرة ترداد الذكر عليه «وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقونَ» وهم الَّذِينَ كفروا بعيسى ومحمد - صلى الله عليهما وسلم -، وقيل: الَّذِينَ ابتدعوا الرهبانية، وقيل: الَّذِينَ حرفوا الكتاب، وإنما لم يعمهم بالفسق؛ لأن