التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم 21 ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير 22 لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور 23 الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد 24 لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز 25}

صفحة 6797 - الجزء 9

  أحدها: أنه عرض المكلف للثواب تفضلاً، فالتكليف تفضل وهو السبب، ثم أعطى على القليل كثيرًا؛ لأن العمل قليل منقطع والثواب دائم لا ينقطع، هذا كمن اشترى خبزًا بدرهم أعطاه غيره فإنه يكون متفضلاً بالخبز، هذا على قول البصريين.

  وقال أبو القاسم: لو اقتصر الله بعباده في طاعتهم على مجرد إحسانه السابق إليهم كان عدلاً، فلهذا جعل الجنة فضلاً، وهذا لا يصح؛ لأن من أنعم على غيره تفضلًا فإلزامه الشاق من غير حاجة لا يحسن، ولا يعد جودًا بل ظلمًا ولُؤْمًا.

  وقيل: تفضل بالأسباب التي بها يفعل الطاعة التي يستحق عليها الثواب، كالتمكين والألطاف وكمال العقل وغير ذلك، وكل ذلك تَفَضُّلٌ.

  وقيل: لأن فيه غير المكلف، ومعنى {يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} مشروط في المكلفين بالاستحقاق، ولولا ذلك لما علقه بالمسابقة، ولما كان للأمر به معنى.

  «مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ» قيل: المصيبة في الأرض القحط وقلة الزرع والضرع والآفاتُ في الأموال، والمصيبة في النفس: الأمراض والعلل والموت ونحوها، وقيل: ما أصاب من خير أو شر من قبل كل أحد، فعلى الأول الضمير في «نبرأها» يعود على المصيبة، وفي الثاني يجوز أن يعود على الأرض، ويجوز أن يعود على الأنفس «إِلَّا فِي كِتَابٍ» إلا وهو مكتوب في كتاب معلوم للّه تعالى، والكتاب هو اللوح المحفوظ كتب أن هذا العبد يمتحن بكذا وقت كذا، وتزول المحنة وقت كذا، ويحيا إلى كذا، ويموت وقت كذا.

  ومتى قيل: ما فائدة ذلك؟

  قلنا: لطف للملائكة إذا علموا ذلك، ولطف للعباد على الحث في طلب الآخرة