قوله تعالى: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم 21 ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير 22 لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور 23 الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد 24 لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز 25}
  إذا علم تغير أحوال الدنيا، فلا يطمئن إليها، ولأنه إذا علم أن ذلك من جهة الله - تعالى - كان أقرب إلى التسلي والصبر، ولأنه يتواضع لله، ولأنه لا يفاخر بالنعم، ولا يحزن بالمحن إذا علم أن كل واحد إلى زوال.
  «مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا» نخلقها، قيل: الأرض، وقيل: الأنفس، وقيل: المصيبة «إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» أي: سهل، قيل: كتابته يسيرة؛ لأنه عالم لذاته يعلم الأشياء بحقائقها، فإذا كتبه كان صفة جلال، وقيل: خَلْقُ المصائب يَسِيرٌ؛ لأنه يعلم ما فيه من المصلحة ونحن لا نعلم، فهو يسير عنده شاق علينا «لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ» أي: فعلنا ذلك لتعلموا فلا تحزنوا على ما يفوتكم من نعم الدنيا، ولا تفرحوا بما أعطيتم من نعيمها؛ لأن شيئًا منها لا يبقى، فوجب أن نهتم لأمر الآخرة فإنها دائمة، وقيل: لأن ما فات ضمن الله تعالى العوض عليه في الآخرة، فلا ينبغي أن نحزن، وما ناله [منها] كَلَّفَهُ الشكر [عليه]، والحقوق الواجبة [فيه]، فوجب أن يستوي عنده الحالان، وقيل: إنه تعالى أشار إلى أربعة أشياء:
  أولها: حسن الخلق؛ لأن من استوى عنده وجود الدنيا وعدمها لا يحسد ولا يعادي، ولا يشاحّ، فإن سوء الخلق من نتائج حب الدنيا.
  وثانيها: الاستخفاف بالدنيا وأهلها، فيستوي عنده الحجر والمدر، لا يفرح بوجوده، ولا يحزن بعدمه.
  وثالثها: تعظيم الآخرة؛ لينال الثواب الدائم الخالص من الشوائب.
  ورابعها: الافتخار بِاللَّهِ دون أسباب الدنيا.
  «وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» أي: متكبر بما أوتي، فخور على الناش بالدنيا «الَّذِينَ يَبْخَلُونَ» بمنع الواجبات «وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ» أي: أعرض عما