التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير 1 الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور 2 والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير 3 فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم 4 إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين 5}

صفحة 6811 - الجزء 9

  متتابعين»؟ فقال: يا رسول الله، إن لم آكل في اليوم ثلاث مرات كَلَّ بَصَرِي وظننت أني سأموت، قال: «فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا»؟ قال: لا والله، قال: «إني معينك» وأعطاه خمسة عشر صاعًا يطعم ستين مسكينا.

  · المعنى: «قَدْ» تأكيد للكلام «سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا» مجادلتها إياه: مراجعتها في أمر زوجها، عن أبي العالية. «وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ» أي: تظهر شكواها، وتبين حالها متضرعة إليه «وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا» أي: مراجعة كلامكما في أمرها «إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ» أي: يسمع المسموعات ويرى المرئيات، والسميع: من هو على حالة يسمع المسموعات إذا وجدت، والبصير: من هو على حالة يرى المرئي إذا وجد، ولهذا يقال: إنه سميع بصير لم يزل، وليس هذا حالة زائدة على كونه حيّا لا آفة به، فأما السامع والمبصر فحالتان متجددتان عند إدراك المدرك.

  ثم بَيَّنَ حالهما، فقال - سبحانه -: «الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ» أي: يقول لها: أَنْتِ عَلَّي كَظَهْرِ أُمِي «مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ» أي: ليس هذه المرأة بأم الزوج «إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا» أي: قولاً ينكره العقل والشرع ولا يعرف صحته «وَزُورًا» كذبًا؛ لأنهم يقولون للمرأة أُمٌّ وللحلال حرام «وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ» حيث لم يعاجلهم بالعقوبة، غَفُورٌ حيث تجاوز عنهم وأمرهم بالكفارة «وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا» الظهار أن يقول: أنت عليَّ كظهر أمي، واختلفوا في العود، فقيل: هو العزم على الوطء، عن قتادة، وأبي حنيفة، ومالك. وقيل: هو إمساكها عقيب الظهار مدة يتمكن أن يطلقها، عن الشافعي.

  وقيل: هو أن يكرر لفظ الظهار، عن أصحاب الظاهر، وأبي العالية. وقيل: أن يظاهر في الجاهلية، ثم يعود فيظاهر في الإسلام، عن طاووس. وقيل: أن يجامعها، عن الحسن. «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» أي: عتق مملوك، يعني إذا ظاهر، ثم عاد في ذلك فعليه