التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد 6 ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم 7 ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير 8 ياأيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون 9 إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون 10}

صفحة 6822 - الجزء 9

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى وقت العذاب، فقال - سبحانه -: «يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا» أي: يبعثهم أحياء من القبور وهو يوم القيامة يحشر الخلق للجزاء «فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا» أي: يجزيهم بما عملوا من الخير والشر إلزامًا للحجة، وقيل: معناه يجازيهم فيكون كالإخبار «أَلَمْ تَرَ» قيل: ألم تعلم، وهذا استفهام والمراد التقرير، وقيل: ألم تر إلى الدلالات مما ترى من صنعه، الدالة على أنه العالم بجميع المعلومات «أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» يعني جميع المعلومات «مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ» بالعلم والحفظ والتدبير والسماع، يسمع نجواهم ويعلم ضمائرهم، ولا يحمل على أنه معهم في المكان؛ لأن ذلك من صفات الأجسام، تعالى الله عن ذلك. «وَلاَ خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُم وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ» بأن يكونا اثنين «وَلاَ أَكْثَرَ» بأن يزيد على الخمسة «إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا» أي: يخبرهم بأعمالهم توبيخًا وتقريعًا، وقيل: يجازيهم «إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ».

  «[أَلَمْ تَرَ]» ألم تعلم، استفهام والمراد التقرير، حال المنافقين ووعيد لهم «إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى» أي: المناجاة وإسرار الكلام بينهم دون المسلمين مما يغم المسلمين ويحزنهم، وهم اليهود والمنافقون «ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ» أي: يرجعون إلى المناجاة بعد النهي، ومعنى «لِمَا نُهُوا» أي: إلى ما نهوا «وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإثْمِ» بالكذب الذي يأثمون به «وَالْعُدْوَانِ» بالظلم «وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ» أَي: حضروا مجلسك يا محمد «حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ»؛ لأنهم يقولون: السام عليك، والله تعالى أمر أن يقال: السلام عليكم، ويا رسول الله، ويا نبي الله «وَيَقُولُونَ [فِي أَنْفُسِهِمْ] لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ» لو كان نبيًا، والله تعالى يقول: هو نبي، والمعنيُّ به اليهود و «حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ» أي: يكفيهم عذاب جهنم «يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ» أي: المرجع «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ» أي: لا تفعلوا كفعل اليهود والمنافقين، ولا تتناجوا بما يوجب العذاب «وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى» أي: