التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين 16 فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين 17 ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون 18 ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون 19 لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون 20}

صفحة 6862 - الجزء 9

  «فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا» يعني عاقبة الشيطان والإنسان «أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ» أي: اتقوا عذابه بأداء الواجبات، واجتناب المعاصي «وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ» قيل: ليوم القيامة، عن قتادة، والضحاك، وابن زيد. «وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» فيجازيكم بها، وكرر الأمر بالتقوى في المستقبل، والثاني بالتوبة عما سلف في الماضي، وقيل: تأكيدًا، وقيل: (اتقوا) عام لجميع المكلفين، (ولتنظر) أمر خاص بأن ينظر في أمره فيتدارك الفائت، وقيل: الأمر بالنظر: أَمْرٌ بمحاسبة نفسه، وما الذي قدم ليوم حشره، وقيل: لغدٍ إشارة إلى قرب القيامة وما يأتي يقرب [الساعة] حتى جعلها لغد، عن قتادة.

  «وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ» قيل: تركوا ذكر الله فأنساهم بأن خذلهم حتى صاروا كالمنسي في حال استحقاق الثواب، وقيل: نسوا الله بترك ذكره، فأنساهم أنفسهم بالعذاب الذي ينسى بعضهم بعضًا لأجله، عن أبي علي. كقوله: {فَسَلِّمُوْا عَلَى أَنفُسِكُم}⁣[النور: ٦١]، وقيل: لا تكونوا كالَّذِينَ نسوا علوم الله حتى أنساه ذلك نفسه، فلم يتفكر في مصائره، وشر عواقبه، وإنما يتفكر في ملاذه وشهواته، وقيل: أنفسهم: حظ أنفسهم أن يقدموا لها، يعني لم يذكرهم بألطاف، بل خذلهم «أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ».

  «لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ» أي: لا سواء حالهما، فأحدهما في النعيم، والآخر في الجحيم «أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ» الظافرون بطلبتهم.

  · الأحكام: تدل الآية على أن الشيطان يوسوس بالغرور، ثم يتبرأ منه، فتدل على أن تلك الوسوسة والغرور ليس بخلق الله.

  وتدل على وجوب التفكر في أمره، ومحاسبة نفسه، والاستعداد ليوم حشره.