التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب 212}

صفحة 854 - الجزء 1

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى أن مَنْ سبق ذكرهم إنما عدلوا عن الإيمان إيثارًا للحياة الدنيا، ووصفهم بأوصافهم، فقال تعالى: «زُيِّنَ لِلَّذِينَ كفَرُوا» قيل: زين الشياطين ذلك لهم، عن الحسن. قال: ولا نعلم أحدًا أذم لها ممن خلقها، ووصفها بأنها متاع الغرور وغيرها من الصفات. وقيل: زينَ ذلك شياطين الجن والإنس، عن أبي علي.

  وقيل: اللَّه تعالى زينها لهم بالشهوات كي يجتنبوها، عن أبي بكر أحمد بن علي.

  وقيل: زينوها لأنفسهم، دليله أنه عطف عليها «وَيَسْخَرُونَ» كأنه قال: يزينون الدنيا، ويسخرون من المؤمنين، وذلك أنهم أنكروا الآخرة، وقالوا: لا دار إلا الدنيا.

  ومتى قيل: كيف زين المزين؟

  قلنا: إن حملنا على أن المُزَيِّنَ غير اللَّه فبالدعاء إليها، والمشاحة فيها، والتحريض على جمعها، والتحذير من الفقر، وإن حملنا على أن المُزَيِّنَ هو اللَّه تعالى قيل: بالشهوة؛ لأن الشهوة لا يقدر عليها غيره، وقيل: بما عرفهم من نعيم الدنيا، وكيفية التمتع بها «وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا» قيل: لفقرهم، وقيل: لإيمانهم بالبعث وجَدِّهم في ذلك، وقيل: لزهدهم في الدنيا، والوجه حمله على الجميع؛ إذ لا تنافي بينها «وَالَّذِينَ اتَّقَوْا» اجتنبوا الكفر والمعاصي «فَوْقَهُمْ» يعني فوق الكفار في الدرجات، وقيل: تمتعهم بنعيم الآخرة أكثر من اتباع هَؤُلَاءِ زينة الدنيا، والحرص عليها، وقيل: حالهم في الآخرة فوق حال هَؤُلَاءِ الكفار في الدنيا؛ لأنه لا حال لهم في الآخرة، وقيل: مكانهم في الآخرة فوق مكان الكفار؛ لأن مكانهم الجنة، ومكان الكفار النار، عن الأصم، وقيل: حالهم في الآخرة خير من حال الكفار، وإن كان لا حال لهم كقوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ٢٤}. {وَاللَّهُ يَرْزُقُ} يعطي {مَنْ يَشَاءُ} من يريد {بِغَيرِ حِسَابٍ}.

  وقال في موضع آخر: {عَطَاَءً حِسَابًا} فيه أقوال: