التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم 10 وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون 11}

صفحة 6882 - الجزء 9

  الأسلمية مسلمة بعد الفراغ من الكتاب، والنبي ÷ بالحديبية، وأقبل زوجها مسافر من بني مخزوم وكان كافرًا، عن ابن عباس، وقيل: اسمه صَيْفي، عن مقاتل، في طلبها، والتمس من رسول الله ÷ ردها، وقال: إنك يا محمد شرطت أن تردَّ علينا مَنْ أتاك مِنّا، وكتبت الكتاب لم يجف بعد، فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ}.

  قال ابن عباس: امتحانهن أن يستحلفهن ما خرجت من بغض زوج، ولا رغبة من أرض إلى أرض، ولا التماس الدنيا، ولا خرجت إلا حبًّا لله ورسوله، فاستحلفها ما خرجت إلا رغبة في الإسلام، فحلفت، وأعطى رسول الله ÷ زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردها، فتزوجها عمر، وكان رسول الله ÷ يرد من جاءه من الرجال، ويحبس من جاءه من النساء: إذا امتحن، ويعطي أزواجهن مهورهن.

  وعن عروة بن الزبير أن النبي ÷ صالح على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليِّه، فلما هاجرت النساء أبى الله أن تُرَدَّ إلى المشركين، أمر بِرَدِّ صداقهن، فأمسك النبي ÷ النساء، ورَدَّ الرجال.

  وذكر علي بن موسى القمي عن ابن عباس أن الصلح وقع على أن من أسلم من نسائهم تتعرف، فإن خرجت رغبة في الإسلام أمسكها ورَدَّ على زوجها ما أنفق، وإن خرجت هربًا من زوجها رُدَّتْ، فعلى هذا تكون الآية ناسخة لِرَدِّ النساء.

  وذكر شيخنا أبو علي | إنه لم يدخل في شرط الحديبية إلا رد الرجال دون النساء، ولم يَجِرِ للنساء ذكرٌ، وأن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط جاءت مسلمة مهاجرة من مكة، فجاء أخواها إلى المدينة، وسألا رَدَّهَا عليهما، فقال ÷: «إن الشرط بيننا في الرجال، لا في النساء»، فلم يردها عليهم، قال أبو علي: وإنما لم يجز هذا الشرط في النساء؛ لأنها إذا أسلمت لا تحل لزوجها الكافر، فكيف تُرَدُّعليه، وقد وقعت الفرقة بينهما؟