التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم 10 وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون 11}

صفحة 6885 - الجزء 9

  ذلك العقد قد انحل، وانقطعت العصمة «وَاسْأَلُوا» خطاب للمؤمنين، أي: اسألوا أيها المؤمنون الَّذِينَ ذهبت أزواجهم، ولحقت بالمشركين «مَا أَنْفَقْتُمْ» عليهن من الصداق من الذي بينكم وبينهم عهد، وقيل: فسلوهم أن يعطوكم كما يأخذون منكم ما أعطوا نساءهم، من المهر إذا صرن إليكم، وإلا فطالبوهم رد المرأة إليكم «وَلْيَسْأَلُوا» يعني يسأل الكفار الَّذِينَ هاجرت نساؤهم وتحقق لكم أنهن مؤمنات «مَا أَنفَقُوا» ما أعطوهن من الصداق، وهذا هو العدل والمحافظة على العهد، ومن أين يُعْطَى؟ قيل: يعطى ذلك قبل القسمة من الغنيمة، وقيل: بل ممن يتزوج بها، فأما الكافر فمن يتزوج بها.

  ومتى قيل: كيف خاطب الكفار بالشرائع حتى قال: «وَلْيَسْأَلُوا»؟

  قلنا: هم عندنا مخاطبون بالشرائع، ومن قال: لا يخاطبون يقول: هو خطاب للمؤمنين بدفعه إليهم، ولا يعتقدون أنه لا يحل دفعه إليهم.

  «ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَينَكُمْ» يقوم بينكم وبينهم، وقيل: أي ما تقدم حكمه فلا تجاوزه «وَاللَّهُ عَلِيمٌ» بالمصالح «حَكِيمٌ» فيما يفعله ولأمره «وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ» قيل: لما بَيَّنَ الله تعالى الحكم الذي تقدم وأبى المشركون أن يقروا به، وأن يردوا الصداق أنزل الله تعالى هذه الآية، وقيل: بل هذا فيمن لحق بقوم لا عهد معهم يعني إذا لحقت امرأة منكم بالكفار الَّذِينَ لا عهد بينكم وبينهم، وقيل: المراد: إذا لحقوا بقوم بينكم وبينهم عهد، وقيل: إذا ارتدت امرأة منكم من الإسلام «فَعَاقَبْتُمْ» قيل: ظفرتم بالمرتدة، وقتلتم عقوبة، وقيل: عاقبتم أي عزمتم وأصبتم الغنيمة