التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم 1 ياأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون 2 كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون 3 إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص 4 وإذ قال موسى لقومه ياقوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين 5}

صفحة 6896 - الجزء 9

  إرادتهما، وأما عند أبي هاشم وأبي عبد الله فلا يجوز أن إرادتهما بلفظ واحد، ولكن إذا ثبت أن كل واحد منهما مراد فلا بد أن يتكلم به مرتين، أراد في كل مرة واحدًا.

  «وَهُوَ الْعَزِيزُ» القادر لا يمتنع عليه شيء «الْحَكِيمُ» قيل: العالم، وقيل: المحكم لفعله، وهو أن كله حسن. «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ» قيل: الخطاب للمنافقين تقريعًا بأنهم يظهرون الإيمان، ولا يبطنونه، وقيل: الخطاب للمؤمنين وتنفير لهم أن يقولوا شيئًا لا يفعلونه، وقد بينا ما قيل فيه، والأقرب أنه في باب الجهاد، قال أبو علي: هذا على ضربين، لو قال: سأفعل، ومن عزمه ألا يفعل فهذا قبيح مذموم، وإن قال: سأفعل، ومن عزمه أن يفعله والمعلوم أنه لا يفعله، فإنه قبيح؛ لأنه لا يدري أيفعل أم لا؟ وبنيغي في مثل هذا أن يقترن بلفظة: إن شاء الله «كَبُرَ مَقْتًا» أي: عظم بُغْضُ الله لمن يقول شيئًا لا يفعله، وهذا في الواجبات دون النفل إلا أن يكون نذره فحينئذ يجب.

  ومتى قيل: هل يدل قولة: «كَبُرَ مَقْتًا» أن ما حصل منهم كبير؟

  قلنا: لا؛ لأن المقت يستحق على الكبير والصغير، ثم الصغيرة تكفرها طاعة أعظم منها، والكبيرة تكفرها التوبة.

  ومتى قيل: لماذا قبح؟

  قلنا: لأنه كذب، إما في الماضي، وإما في المستقبل.

  «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا» أي: في طريق دينه صفًّا «كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ» مُحْكَمٌ لا خلل فيه، ولا يمكن نقضها، كأنه رصَّ بعضَها إلى بعض، وشَدَّ، وقيل: المرصوص المبني من الرصاص، والمراد الثبات في الحرب؛ لأن مَنْ كان صاحب نية وعزيمة لا يزول في الحرب، كما لا يزول البنيان المحكم.