قوله تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم 213}
  النَّاسُ أُمَّلى وَاحِدَةً» قيل: أهل ملة واحدة، أي على دين واحد وهو الكفر، عن ابن عباس والحسن وأبي علي، وهو الوجه؛ لأن قوله: «فَبَعَثَ اللَّه النَّبِيّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ» لا يليق إلا بذلك، وقيل: كانوا على الحق، عن قتادة والضحاك وعكرمة والواقدي. وقيل: في الآية أنهم كانوا أمة واحدة، وليس فيها أنهم كانوا على الإيمان أو الكفر، فهو موقوف على الدليل، وقيل: كانوا متعبدين بما في عقولهم، ثم بعث إليهم النبيين بالشرائع؛ لما علم أن مصالحهم فيها.
  واختلفوا متى كانت هذه الأمة؟ فقيل: بعد وفاة آدم إلى زمن نوح كانوا كفارًا، عن الحسن وعطاء. وقيل: من وقت آدم إلى زمن نوح، وكانوا مؤمنين واختلفوا في وقته، عن قتادة والضحاك. وقيل: هم أهل سفينة نوح #، وكانوا مؤمنين، واختلفوا بعد وفاة نوح، عن الواقدي والكلبي. وقيل: الناس آدم سمي وحده ناسًا؛ لأنه أصل الناس ونسل آدم وأولاده كانوا مؤمنين حتى قتل قابيل هابيل، فاختلفوا حينئذ، عن مجاهد وأبي إسحاق. «فَبَعَثَ اللَّه النَّبِيِّينَ» أرسل النبيين أولهم آدم، وآخرهم محمد - صلى اللَّه عليهم أجمعين، وكل واحد منهم صاحب معجزة وشريعة يوحى إليه، ويكون معصومًا، وما ترويه الحشوية أن بعضهم أولو العزم، وبعضهم لم يوح إليه باطل، والصحيح ما ذكرناه «مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ» تبشر المؤمن بالجنة، وتخوف الكافر بالنار «وَأَنزل مَعَهُمُ الْكِتَابَ» يعني أنزل مع كل واحد منهم الكتاب «بِالْحَقّ» أي بالصدق والعدل، وقيل: أنزل الكتاب بما فيه من بيان الحق، وقيل: الكتاب حق الاستصلاح به على ما توجبه الحكمة «لِيَحْكُمَ بَينَ النَّاسِ» بيان الضمير إلى من يرجع على ثلاثة أقوال: الكتاب أو الرسول أو المُنزِل «فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ» قيل: من الحق، وقيل: من الدين «وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ» قيل: الضمير يرجع إلى الحق، وقيل: على الكتاب، والأول أصح، وتقديره: وما اختلف في الحق إلا الَّذِينَ أوتوا الحق، وإنما اختلفوا قبل إنزال الكتاب، ويحتمل اختلفوا في الكتاب