قوله تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين 11}
  فكان كاذبًا، كمن يشهد لإنسان على غيره وهو لا يعلم كان كاذبًا، وإن كان ذلك الحق ثابتًا. «اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً» أي: جعلوا أيمانهم الكذب سترة يدفعون عن أنفسهم ما يخافون من القتل والأسر وسائر المكاره، وقيل: سترة يستترون بها لئلا يعرف حالهم، واليمين هي حلفهم أنهم منكم، عن الضحاك. «فَصدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» قيل: أعرضوا بذلك عن دين الإسلام، وقيل: لما حلفوا وأظهروا الإيمان سكنوا إلى قولهم، فكانوا يوقعون الشُّبَهَ ليصرفوهم عن الإسلام. وقيل: خوفوا الناس وصدوهم عن الإيمان بمحمد، ÷، وقيل: صدوا الناس بأن دعوا إلى الكفر في الباطن، وهذا إنما يكون من خواصهم، يصدون العوام عن الدين كما تفعله المبتدعة «إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» أي ساءت أعمالهم في إبطان الكفر والحلف بالكذب «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا» ظاهرًا عند النبي ÷ والمسلمين «ثُمَّ كَفَرُوا» إذا خلوا بالمشركين، وإنما قال: «ثُمَّ كَفَرُوا» لأنهم جددوا الكفر بعد إظهار الإيمان، وقيل: المراد بالإيمان: التصديق؛ أي: صدقوا النبي ظاهرًا ثم جحدوه باطنًا، «فَطُبعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ» قيل: وسم عليها سمة الكفر بأنهم لا يؤمنون أبدًا لتعرف الملائكة بحالهم عقوبة لهم، عن أبي علي. وقيل: لما أَلِفُوا الكفر واعتادوا التكذيب والعناد، ولم يصغوا إلى الحق، ولا فكروا في العواقب خلاهم واختيارهم وخذلهم، فصار ذاك طبعًا على قلوبهم، وهو إلفهم ما اعتادوه من الكفر، عن أبي مسلم. «فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ» أي: لا يعلمون الحق من حيث لا يتفكرون حتى يعلموا الحق والباطل.
  «وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ» شبه المنافق بالخشب المسندة، ووجه التشبيه: أن أجسامهم بحسن صورتها واستواء خلقها وقامتها تعجب الناظر، ولكن لخلوها من الخير كأنهم خشب، أشباح بلا أرواح، وقيل: التشبيه وقع بالخشب المتآكلة يحسب من رآها سليمة من حيث إن ظاهرها يروق، وباطنها لا يفيد، كذلك المنافق ظاهره يعجب، وباطنه خالٍ من الخير. قال ابن عباس: وكان عبد الله ابن أبي جسيمًا فصيحًا، وإذا قال شيئًا يسمع النبي ÷ «وِإنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ» من حسن كلامهم وقولهم للمؤمنين: إنا منكم «يَحْسَبُونَ» يظنون «كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ» قال ابن عباس: لجبنهم ولتهمة النفاق فيهم يخافون