التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين 11}

صفحة 6940 - الجزء 10

  من كل شيء مخافة أن يظهر نفاقهم ويفتضحوا، بخلاف الواثق بدينه. وقيل: إذا نادى مناد في المعسكر أو انفلتت دابة، أو أنشدت ضالة ظنوا أنه العدو، وأنهم يرادون؛ لِمَا في قلوبهم من الرعب، عن مقاتل. وقيل: تم الكلام عند قوله: «كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ» أي: من جبنهم كلما سمعوا صيحة توهموا أن ذلك بلاء نزل، وأن الدائرة عليهم، وإذا سمعوا بخبر عدو، أو تأهب المسلمون لقتال، أحبوا الموت لفرط جبنهم، ثم ابتدأ فقال: «هُمُ الْعَدُوُّ» أي: هَؤُلَاءِ المنافقون هم أشد عداوة وأضر بالمسلمين؛ لأن المسلمين علموا الكفار، فيتحرزون منهم، ولا يختلطون بالمسلمين، بخلاف المنافقين، فعلى الأول «هُمُ الْعَدُوُّ» يرجع إلى الكفار، أي: يظن المنافقون أن ذلك العدو، وعلى هذا العدو هم المنافقون، وقيل: «هُمُ الْعَدُوُّ» أي: لفرط جبنهم يشتد ضررهم على المسلمين؛ لأن الجميع إذا خاف بعضهم تنكسر قلوب الباقين «فَاحْذَرْهُمْ» أي: احذر مخالطتهم. ولا تأمنهم؛ لأنهم كانوا ينقلون أسرار المؤمنين إلى الكفار، ويفسدون من قدروا عليه من المؤمنين ويفتنونهم، وقيل: تحذر منهم «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ» قيل: هذا دعاء عليهم بالهلاك؛ لأن من قاتله الله فهو مقتول، ومن غالبه فهو مغلوب، وقيل: لعنهم الله أي: أبعدهم، وقيل: أخزاهم.

  ومتى قيل: أليس هم ماتوا؟

  قلنا: موتهم نزل بهم عقوبة، عن أبي علي، ويجوز أن يعاقبوا بشيء لا نعرفه فيقتلوا.

  «أَنَّى يُؤْفَكُونَ» أي: أنى يصرفون عن الحق مع كثرة الدلالات؟! قيل: هذا توبيخ وتقريع، وليس باستفهام، عن أبي مسلم، وقيل: معناه: كيف تكذبون، من الإفك؟!

  «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ» قيل: أمالوها إعراضًا بوجوههم عن الحق تكبرًا وكفرًا وكراهة لذكر النبي ÷، وقيل: لووا رؤوسهم يحركونها استهزاء حيث دعوهم إلى الحق «وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ» أي: يعرضون عما دعوا إليه «وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ» طالبون الكبر في ذلك الإعراض، قيل: هو عبد الله بن أبي، وقيل: هو في جميع المنافقين، وهذا من الجهل بمواقع الرسالة والدين.