التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين 6 هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون 7 يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون 8}

صفحة 6942 - الجزء 10

  · النزول: قيل: نزلت الآية في عبد الله بن أُبيٍّ وأصحابه، وذلك أنه بلغ رسول الله ÷ أن بني المصطلق يجتمعون لحربه، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية زوجة النبي ÷، فخرج رسول الله ÷ لحربهم، فلقيهم على ماء لهم، واقتتلوا فهزم اللَّه بني المصطلق، وغنموا أموالهم ونساءهم وذراريهم، والناس على ذلك وقع بين أجير لعمر بن الخطاب يقال له جهجاه، من بني غفار، وبين حليف للخزرج مشاجرة بسبب الماء وقتال، فصرخ الجهجاه بالمهاجرين، وصرخ حليف الأنصار بالأنصار، وأعان هذا بعضهم، وهذا بعضهم حتى وقعت مناوشة، فقال عبد الله أبي وعنده قومه وفيهم زيد بن أرقم، غلامٌ حدثُ السِّنِّ: ما مثلنا ومثلهم إلا كقول القائل: سَمِّنْ كلبك يَأكلك، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل - عني بالأعز نفسه، وبالأذل رسول الله -. ثم قال لقومه: هذا فعالكم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالهم، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد. فقال زيد بن أرقم: أنت والله الذليل، ومحمد في عِزٍّ من الرحمن، فسكته عبد اللَّه، وأخبر زيد بذلك رسول الله ÷ وعنده عمر، فقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنقه أو مر أنصاريًّا يضرب عنقه، فقال النبي ÷: «إذن تحدثَ الناس أن محمدًا يقتل أصحابه» وأمر بالرحيل، وأرسل إلى عبد الله: «ما هذا الذي بلغني عنك»، فحلف أنه لم يكن من ذلك شيء، وأن زيدا لكاذب، وقال جماعة من الأنصار: هو شيخ لا يصدق عليه غلام حدث، وجاء عبد الله بن عبد الله، واستأذن النبي ÷ في قتل أبيه فأبى، فلما قدموا المدينة أنزل الله سبحانه هذه السورة في تكذيب عبد الله وتصديق زيد، وكان عبد الله خارج المدينة، فلما أراد دخولها منعه ابنه، وجاء وسيفه مسلول، فقال: ما تفعل يا لكع، فقال: لا أدعك تدخل حتى يأذن رسول الله، وحتى تقول بأن رسول اللَّه الأعز، وأنت الأذل وابن الأذل، فشكا عبد الله ابنه إلى رسول الله ÷، فأذن له في الدخول، وقال لابنه: «دعه، إنا نحسن معاشرته لمكانك»، ولم يلبث إلا أيامًا قلائل حتى مات، فلمَّا نزلت الآيات قيل له: قد نزل فيك ما ترى، فاذهب إلى رسول اللَّه ÷