قوله تعالى: {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين 6 هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون 7 يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون 8}
  يستغفر لك، فلوى رأسه، وقال: أمرتموني أن أومن فآمنت، وأن أؤدي الزكاة فأديتُ، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد، فأنزل الله تعالى فيه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا} الآيات.
  · المعنى: ثم بَيَّنَّ تعالى حال المنافقين وأقوالهم، وأن الاستغفار لهم لا يغني عنهم، فقال سبحانه: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} أي: سواء طلبت لهم من الله المغفرة أو لم تطلب {لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} لأنه يغفر بشرط الإيمان، فإذا لم يؤمنوا لم يُغْنِ ذلك عنهم شيئًا {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} قيل: لا يهديهم إلى طريق الجنة؛ لأن القوم خارجون عن الدين والإيمان. قال الحسن: أخبره أنهم يموتون على الكفر فلم يستغفر لهم. وقيل: لم يستغفر لهم؛ لأنهم لم يحضروا مجلسه.
  ومتى قيل: لو حضروا مجلسه وطلبوا الاستغفار كان يستغفر لهم؟
  قلنا: نعم بشرط التوبة، فأما مع الإصرار فلا. وقيل: بل على ظاهر الحال.
  والأول الوجه؛ لأنه علم حالهم.
  {هُمُ} يعني المنافقين {الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا} من أموالكم {عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} من فقراء المهاجرين والأنصار {حَتَّى يَنْفَضُّوا} يتفرقوا عنه، قيل: تواصى المنافقون بينهم بذلك. وقيل: قاله عبد الله بن أبي لهم؛ ليتفرق الصحابة فلا يجد ناصرًا، والله تعالى عظم أمر نبيه فلم يحك ما قالوا فيه، وإنما قال: {عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ}. {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} خزائنه: مقدوراته؛ أي: يخلق ما يشاء ويرزقهم من وجوه أخر، ويزيل فقرهم فلا يضر ترك إنفاقهم {وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} أي: لا يعلمون كنه عظمته، وقيل: لا يعلمون أنه يرزقهم إن منعوا الإنفاق، وينصره إن منعوا النصر، وقيل لحاتم الأصم: من أين تأكل؟ فقال: «وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ».
  «يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ» من غزوة بني المصطلق «لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا