قوله تعالى: {يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير 1 هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير 2 خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير 3 يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور 4 ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم 5}
  الأحوال كما يشاء «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ» قيل: الخطاب للمكلفين، عن أبي علي، وقيل: بل هو عام أي: أحدثكم عن عدم كما أراد، وقد تم الكلام هاهنا، ثم ابتدأ فقال: «فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ» قيل: منكم من لم يقر بأنه خلقه كالدهرية، ومنهم من يقر بأنه خلقه كالموحدة، وهذا نحو قوله: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي}[النور: ٤٥] فالله تعالى خلقهم، ثم المشي منهم، كذلك هاهنا، الله تعالى خلقهم، ثم الإيمان والكفر منهم، وقيل: فمنكم كافر بِاللَّهِ، ومنكم مؤمن، وقيل: فمنكم كافر في السر، مؤمن في العلانية كالمنافقين، ومنكم مؤمن في السر، كافر في العلانية كعمار وذويه، عن الضحاك. وقيل: فمنكم كافر بِاللَّهِ، مؤمن بالكواكب، ومنكم مؤمن بِاللَّهِ، كافر بالكواكب، يعني في الأنواء، عن عطاء بن أبي رباح. وقيل: فمنكم كافر يؤمن، ومنكم مؤمن يكفر، عن ابن عباس. وقيل: فمنكم كافر في الحال، مؤمن في العاقبة، ومنكم مؤمن في الحال، كافر في العاقبة، عن أبي سعيد الخدري، والمراد بالآية ظاهر، فلا يحتاج إلى هذه التأويلات، والمعنى: أن المكلفين على جنسين، كافر فيدخل فيه أنواع الكفر، ومنهم مؤمن، وهم نوع واحد، ولا يجوز حمله على أنه خلقهم مؤمنين وكافرين؛ لأن الكفر والإيمان فعل العبد، ليس بخلق الله تعالى؛ ولذلك يقع بحسب قصدهم وقدرتهم وعلمهم وآلتهم؛ ولذلك يصح الأمر والنهي، والثواب والعقاب، وبعثة الرسل، ولأنه يشتق منه الأسماء لهم دونه؛ لأن الحكيم لا يخلق سب نفسه، وقَتْلَ أنبيائه، ولأنه لو جاز أن يخلق الكفر وكل قبيح وضلال جاز أن يبعث رسولاً يدعو إلى الضلال، ويظهر المعجزة على يدي كذاب، ولجاز عليه الكذب، تعالى الله عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا، وقد قال تعالى: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) وقال ÷: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه حتى يعرب لسانه عنه، فإما شاكرًا وإما كفورًا»، وعندهم الله يُهَوِّدُهُ ويُنَصِّرُهُ، وعن النبي ÷ يحكي عن ربه: «خلقت عبادي كلهم حنفاء»، ونحو ذلك