التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم 11 وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين 12 الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون 13 ياأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم 14 إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم 15 فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون 16 إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم 17 عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم 18}

صفحة 6960 - الجزء 10

  لأولادهم: لئن لم تتبعونا لا ننفق عليكم، ثم بعد ذلك التحقوا بهم، فأرادوا ألا ينفقوا عليهم، فندبهم إلى العفو والتجاوز والإنفاق، وقيل: فاعفوا ولا تعاقبوهم، ولا تقطعوا العصمة «فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ».

  «إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ» أي بلاء وامتحان؛ وذلك أنهم قد يحملونهم على كسب الحرام، ومنع الحقوق، ومن كثر عياله قَلَّ نظره في أمر عاقبته، ولهذا اختار أكثر الصالحين العُزْبَةَ وترك التزويج، وقيل: فتنة عذاب لما يناله من الشدة والكلفة في رعايتها، وقيل: لأنهم ينالهم بسببهم العذاب، وقيل: فيه بلاء؛ لأن المرء ابتلي بحبهم، وما يرجع إلى منافعهم، فكانت فتنة «وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ» أي: لا تميلوا إلى المال والأولاد، وآثروا طاعة الله فعنده الأجر العظيم، عن أبي علي.

  ومتى قيل: لِمَ قال في الجميع: إنهم فتنة، وفي بعضهم: إنهم عدوٌّ؟

  قلنا: لأن الفتنة شملت وعمت الجميع، والعداوة اختصت بالبعض، ذلك ظاهر.

  «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» هذا يحتمل وجهين:

  أحدهما: أنه لم يكلف شططًا، ولا شيئًا لا يقدر العبد عليه.

  والثاني: أنه أراد المبالغة، أي: اتقوا الله ما أمكنكم.

  ومتى قيل: أليس قد روي عن بعضهم أن هذا ناسخ لقوله: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}⁣[ال عمران: ١٠٢]؟

  قلنا: ذلك ليس بصحيح؛ لأنَّهُ تعالى لم يكلف إلا ما يطيقه العبد، والآيتان لا تتناسخان، وإنما ورد بشرط الطاقة، ويحتمل أن يقال: إن في هذه الآية رخصة لحال التقية، وما جرى مجراها.

  «وَاسْمَعُوا» قيل: اسمعوا من الرسول ما يتلو عليكم، وما يعظكم به، ويأمركم، وينهاكم، وقيل: اسمعوا؛ أي: أطيعوا وانقادوا كما يقال: سمعًا وطاعة، ومنه: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ «وَأَطِيعُوا» الله والرسول «وَأَنفِقُوا» في أعمال البر ذلكم خير من الإقبال على الأهل والولد «وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ» أي: من صرف عن نفسه البخل وَمَنَعَ،