التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى 6 لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا 7 وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا 8 فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا 9 أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله ياأولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا 10 رسولا ...}.

صفحة 6977 - الجزء 10

  يعطي تمام أجرتها، فيعسر كل واحد معاملة صاحبه في ذلك، أو يأبى الرجل أن يعطيها رضاها، وتأبى هي الإرضاع فلا تكره المرأة على ذلك «فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى» تستأجر غير أمه البائنة منه. «لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ» أي: على قدر غناه «وَمَن قُدِرَ عَلَيهِ رِزْقُهُ» أي: ضيق «فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ» أي: مما أعطاه على ذلك القدر «لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا» أعطاها «سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا» قيل: يجعل غنى بعد فقر، وسعة بعد ضيق، واختلفوا، فقيل: نزلت في الصحابة، كانوا في بؤس وشدة، فوسع الله عليهم وفتح البلاد، وقيل: هو عام، وقيل: من قام بحق الله في الأرض من إنفاق يأتيه اليُسر في الدنيا وإلا ففي الآخرة، وعن النبي ÷: «ينادي كل يوم منادٍ صباحًا ومساء: اللهم أعطِ كل منفق خلفًا، وكل ممسك تلفًا».

  «وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ» أي: كم من أهل قرية، و (كأين) للتكثير «عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا» أي: جاوزت الحد في العصيان «وَرُسُلِهِ» أي: عن أمر رسله فخالفوه «فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا» بالمناقشة والاستقصاء، والمحاسبة: استيفاء الحق وإيفاؤه، وقيل: المحاسبة الفصل بين المحق والمبطل وإيفاء كل واحد منهما، وقيل: هو في الآخرة ماضٍ بمعنى المستقبل، وقيل: في الدنيا بالكتابة عليه، وفي الآخرة بالمجازاة، إلا أن الكتابة لا تسمى محاسبة، وقيل: الحساب هاهنا: الأخذ بالذنوب، عن أبي مسلم. «وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا» أي منكرًا فظيعًا لم يُرَ مثله، قيل: هو عذاب الاستئصال، وقيل: هو عذاب الآخرة وهو الوجه، وقيل: بإنزال البلايا والمحن، وقيل: في حال النزع، وقيل: بالجوع والخوف، وقيل: بالقتل والسبي، وقيل: قد يقدم ويؤخر، وتقديره: وعذبناها في الدنيا نكرًا، وحاسبناها في الآخرة حسابًا شديدًا «فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا» أي: جزاء معاصيه، ووخيم عاقبة أموره «وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا» أي: الخاسر بالهلاك، وقيل: الخسران؛ لأنه فاته الجنة ودخل النار «أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا» أي: هيأ، وهو عذاب النار «فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُوْلِي الألْبَابِ» أي: يا أصحاب العقول،