قوله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى 6 لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا 7 وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا 8 فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا 9 أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله ياأولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا 10 رسولا ...}.
  قيل: خصهم بالذكر لأنهم المكلفون، وقيل: هم ينتفعون به، وقيل: إنما ذكرهم حَثًّا على الشكر والعمل بمقتضى العقول، أي: تفكروا ولا تفعلوا مثل ما فعل أولئك فينزل بكم مثل ما نزل بهم.
  ثم وصف أولي الألباب بقوله: «الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيكُمْ ذِكْرًا» قيل: عظة تذكرونه، وقيل: هو القرآن، وقيل: الذكر هو الرسول، عن الحسن، أي: رسولاً يذكر، وقيل: «رَسُولاً» فاذكر، وقيل: الذكر صفة الرسول، وقيل: ذكر الرسول بأنه ذكر توسعًا كما قيل للمسيح: روح، وقيل: معناه: إن هذا الذكر كالرسول في أنه أنزله ليعمل به، وقيل: أراد ذكرًا مع رسول، وقيل: أنزل ذكرًا وأرسل رسولاً، وقيل: شرفًا، وهو الرسول، وقيل: ذكرًا آتاه الرسول ليبين لكم.
  · الأحكام: يدل قوله: «أَسْكِنُوهُنَّ ...» الآية على وجوب السكنى للمطلقة. ويدل أنه على الزوج.
  ويدل قوله: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ} على وجوب النفقة، وقد بينا أن المطلقة الرجعية لها النفقة والسكنى بالاتفاق، وأن المبتوتة بثلاث اختلفوا فيها، وقد بَيَّنَّا.
  فأما ما روي عن فاطمة بنت قيس أن النبي ÷: «لم يجعل لها النفقة والسكنى»، فأنكر ذلك عمر وعائشة وابن مسعود، فلا يقبل خبر أنكره هَؤُلَاءِ لأجلها، وروي أنها كانت ناشزة.
  ويدل قوله: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} على وجوب النفقة للحامل، وقد بَيَّنَّا أنها للحامل دون الحمل، ثم اختلفوا فقيل: إن الآية تدل على وجوب النفقة للحامل أيضًا؛ لأنه أوجب النفقة لها لكونها معتدة.
  وقيل: بل تدل على أن لا نفقة لها؛ لأنه خص الحامل، والصحيح عندنا أنه مسكوت عنه في هذه الآية، لا تدل الآية على واحد، فيرجع إلي دليل.
  ويدل قوله: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} أن الإرضاع وأجرته على الأب.