التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا 11 الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما 12}

صفحة 6980 - الجزء 10

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى الغرض في إرسال الرسول، فقال سبحانه: «يَتْلُو عَلَيكُمْ» أي: يقرأ «آيَاتِ اللَّهِ» حججه، وهو القرآن «مُبَيِّنَّاتٍ» أي: تبين الأحكام التي تتضمن بيانها «لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ» قيل: من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، فشبه الإيمان بالنور، والكفر بالظلمة، قيل: لأنه يؤدي إلى نور في القبر والقيامة والجنة، والكفر يؤدي إلى ظلمة فيها، وقيل: لأنه يفوز بالمبتغى كما بالنور يصل إلى المقاصد، وقيل: مِنْ ظُلْمَةِ جنهم إلى نور الجنة، عن أبي علي، وهذا أولى؛ لأنه حمل الكلام على حقيقته.

  «وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا» يعني: ما يعطيهم أحسن ما أعطي أحد، وذلك مبالغة في وصف نعيم الجنة.

  ثم نَبَّهَ على عظيم قدرته، فقال سبحانه: «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ» قيل: سبع أرضين، وقيل: هي أطباق لا سكان فيها، وقيل: بل فيه سكان مكلفون أو غير مكلفين، فأما السماوات فسبع، وفي كل واحدة ملائكة «يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ» قيل: بالوحي من السماء السابعة إلى الأرض السفلى بأوامره فيما يتعبد به، وقيل: بالتدبير فيها بحياة بعض وموت بعض، وغنى بعض، وفقر بعض، وهلاك واحد، وسلامة آخر، وغير ذلك من التدابير والتصرفات كالشتاء والصيف، والليل والنهار، وإخراج النبات والثمار، عن أبي مسلم، وقيل: معناه في السماوات والأرض، عن أبي مسلم، وقيل: تتنزل الملائكة بأوامره.

  ومتى قيل: لِمَ جمع السماوات دون الأرض؟

  قلنا: قيل: أراد بالأرض الجنس، وقيل: لأن السماوات منفرجة، والأرض مصمتة.