التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون 6 ياأيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون 7 ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير 8 ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير 9 ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين 10 وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين 11 ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين 12}

صفحة 6994 - الجزء 10

  · المعنى: لما وعظ نساء النبي ÷ أمر المؤمنين بوعظ نسائهم وما يؤديهم إلى النجاة، فقال سبحانه: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا» أي: احفظوا واحرسوا «أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا» أي: افعلوا ما أمر الله به، ومروا أهليكم بذلك، وانهوهم عن معصية الله بمنعهم بذلك من النار، عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة. «وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ» قيل: حطبها، وقيل: توقد على الناس تعذيبًا وعلى الحجارة، ومنها الأصنام التي عبدوها يعذبون بها، عن أبي مسلم. «عَلَيهَا مَلَائِكَةٌ غِلاَظٌ» أي: خزنتها، والموكلون بها ملائكة غلاظُ القلوب، لا يرحمون أحدًا من أهل النار «شِدَادٌ» أي: أقوياء، وهم الزبانية تسعة عشر، وأعوانهم «لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ» قيل: في الدنيا؛ لأن الآخرة ليست بدار تكليف، وقيل: بل في الدنيا والآخرة إذا أمرهم بأخذهم وتعذيبهم يأخذونهم، ولا يلتفتون إلى صراخهم، وقيل: يرفع الله الرحمة عن قلوبهم فلا يرحمون أهل النار، وقيل: عِلْمُهُمْ بما فعل العصاة يُذْهِبُ الرحمة عن قلوبهم، وقيل: جعل لذتهم في تعذيب أهل النار كما جعل لذة المؤمنين في نعيم الجنة، وقيل: يمنع النار أن تداخلهم، فلا يتألمون به، ويجوز أن يلتذوا بتلك النار.

  «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ» لما عُذِّبُوا أخذوا في الاعتذار، ولم يلتفت إلى معاذيرهم، ويقال لهم: لا تعتذروا؟ فهذا جزاء فعلكم، وقيل: لا تتكلفوا العذر؛ فإنه لا ينفعكم، وليس لكم عذر صحيح، وإنما تعتذرون بأنا لا نعلم وَغرَّنا الرؤساءُ، وكل ذلك ليس بعذر، وقيل: الغرض من العذر القبول، وهم لا يعتذرون على وجه يقبل؛ لأنهم يلجؤون إلى ذلك. ومن يقول لهم هذا؟ قيل: المَلَائِكَة، وقيل: اللَّه تعالى يناديهم، وكان أشد الإياس والعذاب «إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» أي: هذا جزاء عملكم.

  «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا» قيل: توبة تنصح لكم بالإخلاص، عن سعيد بن المسيب، وقيل: توثق ذلك، عن أبي مسلم، وقيل: نصوحًا تناصحون فيها أنفسكم، عن أبي علي، واختلف المفسرون في النصوح، قيل: أن يتوب، ولا يعود، عن عمر، وقيل: أن يكون نادمًا على ما مضى مجمعًا على ألا يعود فيه، عن