التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير 12 وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور 13 ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير 14 هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور 15 أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور 16 أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير 17}

صفحة 7009 - الجزء 10

  · الإعراب: يقال: ما معنى (مَنْ) في قوله: «مَنْ خَلَقَ»؟

  قلنا: يحتمل وجهين:

  أحدهما: أن يكون اسمًا للخالق، تقديره: يعلم الخالق.

  والثاني: أن يكون اسمًا للمخلوق، تقديره: ألا يعلم خَلْقَهُ.

  «نَذِيرِ» أصله نذيري، حذف الياء وتدل عليها الكسرة التي «تحت الراء».

  · المعنى: لما تقدم الوعيد عقبه بالوعد على العادة المعهودة في القرآن في الجمع بين الوعد والوعيد، فقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ» أي: يخافونه فلا يعصونه «بِالْغَيبِ» قيل: يخافونه ولم يَرَوْهُ، وقيل: «بِالْغَيبِ»، أي: في سرهم، وقيل: في حال غيبتهم عن المؤمنين وخلوتهم، يعني: بالغيب، أي: في حال غيبة لا يراه الناس، وقيل: بالآخرة؛ لأنها غيب يؤمنون بها، عن الحسن. «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ» لذنوبهم «وَأَجْرٌ كَبِيرٌ» أي: ثواب عظيم «وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» ظاهره تخيير، ومعناه وعيد، أي: سواء أسررتم أو أعلنتم فإنه عليم بضمائركم لا تخفى عليه خافية «أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ» قيل: ألا يعلم الله الخالق، وقيل: ألا يعلم المخلوقات «وَهُوَ اللَّطِيفُ» قيل: العالم بما لطف ودق، وقيل: الرفيق بعباده، وقيل: اللطيف: ما كان فعله في اللطف بحيث لا يهتدي إليه غيره، وقيل: اللطيف: فاعل اللطف، «فَعِيل» بمعنى «فاعل» كعليم وقدير، وقيل: بمعنى المُلْطِفِ كبديع بمعنى مبدع، وقيل: اللطيف الذي يكلفك اليسير ويعطيك الكثير «الْخَبِيرُ» العالم «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً» أي: سهلها ساكنة مسخرة لا تمتنع من تصرفاتهم، وقيل: أثبتها بالجبال، عن ابن عباس، أي: أسكنها. «فَامْشُوا» أي: إلى ما رغبكم الله تعالى فيه، وإلى ما أباحه لكم، وهذه إباحة وإرشاد، وليس بإيجاب «فِي مَناكبِهَا» قيل: جبالها،