قوله تعالى: {إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير 12 وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور 13 ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير 14 هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور 15 أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور 16 أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير 17}
  · الأحكام: يدل قوله: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} على وجوب الإخلاص؛ لأن الخشية في الخلوة تدل على الإخلاص، فهذه الخشية أدتهم إلى أداء الواجبات واجتناب المعاصي؛ لذلك قال: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}.
  ويدل قوله: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} على التحذير من حيث يعلم الضمائر.
  ومتى قيل: هلا دل على أن أفعال القلوب خَلْقُهُ؟
  قلنا: (مَنْ) كناية عن العقلاء، ولأن هذا وعيد، ولوْ كان خلقًا له لما أوعد عليه، ولأنا بَيَّنَّا ما قيل فيه، ولو كان (مَنْ خَلَقَ) يرجع إلى الله تعالى فليس فيه بيان ما خلق، والخلاف فيه، فلا تعلق لهم بالظاهر، عن أبي علي.
  ويدل قوله: {فَامْشُوا} أن في المشي ما هو واجب إن حمل على الأمر، كالمشي إلى الحج والجهاد والجمعات وزيارة واجبة، وفيها ما هو ندب كزيارة المشاهد والأقارب، وإن حمله على الإباحة دخل فيه التجارات وسائر المباحات، قال أبو علي: يجوز أن يكون ندبًا ويجوز أن يكون إباحة، قال القاضي: لا مانع من حمله عليهما.
  ويدل قوله: {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} أن الرزق حلال، والحرام لا يكون رزقًا؛ لأنه ممنوع من أكله.
  وتدل على أن فيه ما هو واجب كالمضطر، أو ندب كإجابة الإخوان، وكالسحور ليتقوى به على الصوم، وفيه ما هو مباح، وهل يحمل على أحدهما أو عليهما؟ على الخلاف الذي ذكرنا في المشي، ولا تعلق للمشبهة بقوله: {مَنْ فِي السَّمَاءِ}؛ لأنه ليس في الظاهر أنه تعالى في السماء، وقد بَيَّنَّا ما قيل فيه، والله تعالى ليس بجسم، ولا متحيز فلا يجوز عليه المكان.
  وتدل الآيات أن الخشية والقول والمشي فعلُ العبد، وليس بخلق الله تعالى.