التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين 17 ولا يستثنون 18 فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون 19 فأصبحت كالصريم 20 فتنادوا مصبحين 21 أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين 22 فانطلقوا وهم يتخافتون 23 أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين 24 وغدوا على حرد قادرين 25 فلما رأوها قالوا إنا لضالون 26 بل نحن محرومون 27 قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون 28 قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين 29 فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون 30 قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين 31 عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون 32}

صفحة 7035 - الجزء 10

  موافاتهم الجنة في الوقت الذي قدروه، وهو وقت الصبح، تقديره: قصدوا الجنة للوقت الذي قدروه لصرامها، عن أبي مسلم. «فَلَمَّا رَأَوْهَا» أي: رأوا الجنة على تلك الصفة «قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ» قيل: ضللنا الطريق فليس هذا بستاننا، عن قتادة، وقيل: الضالون عن الحق في أمرنا؛ فلذلك عوقبنا بذهاب ثمرتها، وقيل: ضللنا في منع حق الفقراء، فقال بعضهم: «بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ» يعني هذه جنتنا، ولكن حرمنا نفعها وخيرها لمنع المساكين حقهم، وتركنا الاستثناء «قَالَ أَوْسَطُهُمْ» قيل: أعدلهم مقالة، عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وقيل: أفضلهم وأعقلهم، والأوسط: الأقرب إلى الأصلح، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}⁣[البقرة: ١٤٣] وقيل: أوسطهم في السن «أَلَمْ أَقُلْ لَكمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ» كأنه حذرهم سوء فعلهم، فقيل: «لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ» أي: لولا تستثنون، عن مجاهد؛ لأن في الاستثناء التوكل على الله والبراءة من الحول والقوة، وقيل: كان استثناؤهم سبحان الله، عن أبي صالح، وقيل: هلا تسبحون الله، وتذكرونه، وتشكرونه على ما أعطاكم، وقيل: هلا تستغفرونه عن فعلكم، وقيل: معناه: هلا ذكروا الله، وسبحوه، فكأنه أنكر عليهم تركهم رد الأمر إلى الله وإلى مشيئته، وتواصيهم منع المساكين حقوقهم فلم يقبلوا، عن أبي مسلم، وقيل: هلا نزهتم الله عن الظلم، فإنه لا يظلم، ولا يرضى منكم بالظلم، وقيل: قوله: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ} تقريع، وقوله: {لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} ابتداء حث على التسبيح لله والرجوع إليه، فعند ذلك «قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ» في عزمنا حرمان المساكين حقوقهم، يعني هو منزه عن الظلم فما فعل بنا لم يكن ظلمًا، وإنما الظلم منا حيث منعنا الحق «فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ» أي: يلوم بعضهم بعضًا على ما فرط منهم «قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ» لما امْتُحِنُوا انتبهوا على سوء فعالهم، وكذا الغافل لا ينتبه إلا إذا ناله المصيبة «إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ» أي: مجاوزين للحد في منع الفقراء حقهم وترك الاستثناء، وقيل: طاغين، أي: لم نشكر نعم الله، ولم نصنع ما صنع آباؤنا «عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ» يعني إذا تبنا نرغب إلى الله حتى يبدلنا خيرًا منها، وقيل: لما أخلصوا أبدلهم الله بها جنة، يقال لها: الحيوان، فيها عنب يحمل البغل منها عنقودًا، عن ابن مسعود.