قوله تعالى: {كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون 33 إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم 34 أفنجعل المسلمين كالمجرمين 35 ما لكم كيف تحكمون 36 أم لكم كتاب فيه تدرسون 37 إن لكم فيه لما تخيرون 38 أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون 39 سلهم أيهم بذلك زعيم 40 أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين 41 يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون 42 خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون 43}
  يظهر عليه أثره «تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ» أي: تلحقهم ذلة حتى يتبين الخشوع والذلة عليهم «وَقَدْ كَانوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ» أصحاء يمكنهم السجود فلا يسجدون، قيل: يدعون إلى السجود إلى الصلاة المكتوبة بالأذان والإقامة فلا يجيبون، عن إبراهيم التيمي، وسعيد بن جبير، وقيل: الَّذِينَ تخلفوا عن الجماعات، عن كعب.
  · الأحكام: يدل قوله: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ} على جرم العصيان.
  وتدل أن مصائب الدنيا قد تكون عقوبة، وهو قول أبي علي، وأما عند أبي هاشم فتكون محنة ولطفًا؛ لذلك قال: {كَمَا بَلَوْنَا} وقد بَيَّنَّا ما قيل فيه.
  ويدل قوله: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ} الآيات على أشياء:
  منها: أن الجنة تنال بالتقوى، خلاف قول المرجئة.
  ومنها: أن المسلم والمجرم اسمان شرعيان، يمدح بأحدهما، ويذم بالآخر.
  ومنها: أن هذين الوصفين كالمتنافيين.
  ومنها: أنهما لا يستويان، خلاف قول المرجئة.
  ومنها: أن طاعات المجرم تنحبط به.
  ومنها: أنه لا تحسن التسوية بينهما؛ لذلك قال: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}، خلاف قول الْمُجْبِرَةِ: إنه يجوز أن يسوي بينهما؛ بل يجوز أن يفضل المجرم على المسلم، ولأن الإيمان والكفر لو كان خَلْقَهُ لجاز أن يسوى بينهم كما يجوز أن يسوي بين الأبيض والأسود.
  ومنها: أن الوعيد تناول المجرم وهو الفاسق، خلاف قول بعضهم.
  ومنها: أن عذابه دائم؛ إذ لو انقطع لصار في بعض الأوقات كالمنفي.
  ومنها: أن ما قدموا عليه ضلال، وليس بحكم الله؛ لذلك قال: {كَيْفَ تَحْكُمُونَ}.
  ومنها: أن الاعتقاد يجب أن يكون صادرًا عن دليل لذلك طالبهم بحجة وكتاب.
  ويدل قوله: {يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} على شدة أهوال القيامة، وأنهم يدعون إلى السجود توبيخا لا تعبدًا.