قوله تعالى: {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون 44 وأملي لهم إن كيدي متين 45 أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون 46 أم عندهم الغيب فهم يكتبون 47 فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم 48 لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم 49 فاجتباه ربه فجعله من الصالحين 50 وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون 51 وما هو إلا ذكر للعالمين 52}
  وتدل أنهم كانوا يقدرون على السجود في الدنيا، وإلا لما صح نظم الكلام، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق والاستطاعة.
  فأما ما ترويه الحشوية في حديث طويل، عُمْدَتُهُ: «أنه تذهب كل طائفة مع آلهتهم إلى النار، ويبقى الموحدون، فيقول الله تعالى: من عبدتم؟ فيقولون: عبدنا الله، فيبدو لهم في صورة غير صورته فينكرونه، فيقول: هل بينكم وبينه آية؟ قالوا: نعم، ويكشف عن ساقه فيخرون سجدًا»، فمن دسيس الملحدة؛ لأنه ليس بذي صورة، ولا يجوز عليه الأعضاء، ولا أن يتصور بصور.
  ومن عجيب شأنهم أنهم يزعمون أن الشيطان يتصور بصور، ثم وصفوا معبودهم بمثل ذلك، وأي معنى في ساق بلا قدم وفخذ، ولو أثبتوا جميع الأعضاء فهو جسم، والعجب من قوم ينكرون التشبيه، ويروون هذا الحديث من غير تأويل لها، ثم يروون ما يناقضها، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا.
قوله تعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ٤٤ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ٤٥ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ٤٦ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ٤٧ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ٤٨ لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ ٤٩ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ٥٠ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ٥١ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ٥٢}
  · القراءة: قراءة العامة: «لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ» أي: أدركه إنعام ربه، وفي مصحف ابن مسعود: «تداركته نعمةٌ» بالتاء لأجل تأنيث النعمة.