قوله تعالى: {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون 44 وأملي لهم إن كيدي متين 45 أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون 46 أم عندهم الغيب فهم يكتبون 47 فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم 48 لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم 49 فاجتباه ربه فجعله من الصالحين 50 وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون 51 وما هو إلا ذكر للعالمين 52}
  ففعل، فعصمه الله تعالى، ونزلت الآية، وأنكر شيخنا أبو علي قولهم، وذكر أن الإصابة بالعين تتبع الاستجمال والاستحسان، وهذا من نظر العداوة، وبعد، فإن الإصابة بالعين ليس بصحيح، وأنكره أبو علي وأبو مسلم، وجوزه القاضي وجماعة، ثم اختلفوا فمنهم من قال: هو على طريق ما أجرى الله تعالى العادة، فيفعله كذلك، ومنهم من قال: تنفصل من عينه أجزاء تؤثر فيه.
  · المعنى: ثم عقَّب الاحتجاج بالوعيد، فقال سبحانه: «فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ» قيل: هذا وعيد لهم، عن أبي علي، أي: كِلْ أمرهم إليَّ فإني كافٍ في الانتقام منهم، عن أبي مسلم، وقيل: دعني وإياهم فإني أجازيهم بما يستحقون «وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ» قيل: القرآن، وقيل: جميع ما أداه إليهم «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ» قيل: نأخذهم من أي طريق سلكوا، وأين دبوا ودرجوا، عن أبي مسلم، وقيل: سنأخذهم إلى العقاب حالاً بعد حال، ودرجة درجة من حيث لا يعلمون، وقيل: سنقربهم إلى العذاب بأن نميتهم، ثم نبعثهم، ثم نحاسبهم، فلا يزال يقرب حالاً بعد حال وهم لا يعلمون، عن أبي علي، وقيل: نأخذهم في الدنيا حالاً بعد حال، وأُخِذُوا يوم بدر، وقيل: نطيل أعمارهم، ونسبغ النعم عليهم إظهارًا للحجة، فلا يزالون فيها حتى تأخذهم بغتة، كأنه قيل: سنستدرج أعمارهم إلى عقابهم، وإن أطلنا لهم «وَأُمْلِي لَهُمْ» أي: أمهلهم وأطيل أعمارهم ولا أعاجلهم «إِنَّ كَيدِي مَتِينٌ» أي: تدبيري وإرادتي فيهم قوي، لا يفوتون، والكيد: إرادة الإضرار، وقيل: كيدي: عذابي، فسماه كيدًا؛ لأنه جزاء كيدهم، أي: عذابي لهم شديد، أشار بأن الإمهال ليس بعجز، ولكن لعلمه بأنهم لا يفوتون «أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا» هذا عطف على قولهم: {أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ} فذكر جميع ما يُحْتَجُّ به، فقال: أم تسأل يا محمد هَؤُلَاءِ الكفار أجرًا على أداء الرسالة، وتطمع في مالهم طمعًا يلزمهم لزوم الدين المثقل؟ «أَمْ عِنْدَهُمُ