التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون 44 وأملي لهم إن كيدي متين 45 أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون 46 أم عندهم الغيب فهم يكتبون 47 فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم 48 لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم 49 فاجتباه ربه فجعله من الصالحين 50 وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون 51 وما هو إلا ذكر للعالمين 52}

صفحة 7047 - الجزء 10

  الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ» قيل: أم يعلمون الغيب فيعلمون أنك غير محق فيما أتيتهم؛ فلهذا لا يتبعونك؟ عن أبي علي، وقيل: أراد علم الغيب وهو إحدى الآيات في الكتاب، وهو العلم بترتيب الكلام حتى يصير معجزًا، يعني: هل يعلمون هذا فيكتبون كتابًا مثله في نظمه وفصاحته وحسنه، ويشتمل على أخبار الغيب، أنَّى لهم ما يحكمون، وقيل: أراد بالغيب اللوح المحفوظ؛ لأن فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة «فَهُمْ يَكْتُبُونَ» منه أنهم على حق، وما يكتب منه يكون حَقًّا، وقيل: الغيب ما في القرآن من أخبار الغيب، وهي أحد إعجازه، أي: هل لهم كتاب مثل هذا القرآن حتى يكتبوا منه ما حكموا به.

  فلما أبطل جميع شبههم، ولم يبق في تكذيبهم إلا القتال قال تعالى لرسوله: «فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ» أي: دع كلامهم، فإنه لا حجة معهم، فاصبر لما حكم الله عليك في أداء الرسالة، وقيل: «اللام» تجري مجرى (إلى)، أي: اصبر إلى أن يحكم الله في قهر أعدائك ونصر أوليائك، وقيل: اصبر لحكم الله في التخلية بين الظالم والمظلوم حتى يبلغ الكتاب أجله «وَلاَ تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ» يعني يونس #؛ لأنه صار في بطن الحوت، وقيل: في الضجر والغضب من أذى قومه، عن قتادة، وقيل: في خروجه من بين قومه بغير إذن حتى التقمه الحوت «إِذْ نَادَى» ربه، أي: دعا ربه في جوف الحوت، وقيل: الذي نادى به قول: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}⁣[الأنبياء: ٧٨]، «وَهُوَ مَكظُومٌ» قيل: مغموم، عن ابن عباس، ومجاهد، كأن الغم حبسه عن الانبساط في أمره، وقيل: مكظوم محبوس، والكظم: الحبس، وقيل: المكظوم: المخنق بالغم إذا لم يجد لغيظه شفاء، فيونس غاظه فعل نفسه، ولم يجد لغمه شفاء «لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ» لحقه «نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ» أي: رحمة، فبقاه في بطن الحوت وأخرجه حيًا «لَنُبِذَ» طرح «بِالْعَرَاءِ» أي: بالفضاء «وَهُوَ مَذْمُومٌ» ملوم، عن ابن عباس، أي: معه ما يلام به، ولكن الله تعالى تداركه برحمته، قيل: رحمته لطفه حتى أناب، وسبح، ودعا، وقيل: رحمته: إجابة دعائه، وتخليصه من بطن الحوت، وقيل: تبقيته في بطنه حيًّا وإخراجه حَيًّا «فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ» أي: اختاره فاصطفاه لنبوته «فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ» قيل: أخبر بأنه منهم، عن أبي علي، وقيل: لطف له وسهل