قوله تعالى: {فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون 44 وأملي لهم إن كيدي متين 45 أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون 46 أم عندهم الغيب فهم يكتبون 47 فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم 48 لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم 49 فاجتباه ربه فجعله من الصالحين 50 وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون 51 وما هو إلا ذكر للعالمين 52}
  السبل حتى صار من الصالحين، وقيل: جعله فيهم يوم القيامة، ونظيره: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ}[النساء: ٦٩]، عن أبي مسلم. «وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ» أي: القرآن، قيل: معناه: ينظرون إليك عند تلاوة القرآن والدعاء إلى التوحيد نظر عداوة وبُغْضٍ وإنكار لما يسمعون، وتعجب منه، فيكادون يصرعونك بحدة نظرهم، ويزيلونك عن موضعك، تقول العرب: نظر إليه نظرًا شَزْرًا، ونظرًا منكرًا، قال الشاعر:
  يَتَلاحَظُونَ إِذا الْتَقوْا فِي مَحْفَلٍ ... نَظَرًا يُزيلُ مَوَاقِعَ الأَقْدَامِ
  وقيل: يبعدونك بأبصارهم، يقال: رمي سهمهم فزلق: إذا بعد، عن ابن عباس، وقيل: يزهقونك، عن قتادة، وقيل: يصرعونك، عن الأصم، وقيل: يرمونك، عن عطية، وقيل: يزيلونك، عن المؤرج، وقيل: يصيبونك بأعينهم، عن السدي، وقيل: يقتلونك، عن الحسن، والكل يرجع إلى ما قدمناه من غير الإصابة بالعين، وذلك ليس بصحيح؛ لأن ذلك لا يثبت، ومن يدعيه يزعم أنه يكون فيما يستحسن.
  فإن قالوا: كانوا يستحسنون القرآن؟
  قلنا: كيف وهم يجحدونه، وينسبونه إلى السحر.
  «وَيَقُولُونَ إِنَّهُ» يعني محمدًا ÷ «لَمَجْنُونٌ»، ونسبهم إياه إلى الجنون مع علمهم بوفور عقله على أحد وجهين: إما تشبيهًا حيث وعدهم بالبعث مع بُعْدِهِ في أوهامهم، أو تلبيسًا على العوام ليصرفوهم عنه. «وَمَا هُوَ» قيل: محمد، وقيل: القرآن «إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ» قيل: يذكرهم أمر آخرتهم والثواب والعقاب، وقيل: يذكرهم الأحكام وأدلة العقل والسمع، وقيل: يذكرهم أمر دينهم ودنياهم، وقيل: لما نسبوه إلى الجنون وصفه بما ينفي ذلك فقال: هو شرف للخلق حيث هداهم إلى الرشد،