قوله تعالى: {فلا أقسم بما تبصرون 38 وما لا تبصرون 39 إنه لقول رسول كريم 40 وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون 41 ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون 42 تنزيل من رب العالمين 43 ولو تقول علينا بعض الأقاويل 44 لأخذنا منه باليمين 45 ثم لقطعنا منه الوتين 46 فما منكم من أحد عنه حاجزين 47 وإنه لتذكرة للمتقين 48 وإنا لنعلم أن منكم مكذبين 49 وإنه لحسرة على الكافرين 50 وإنه لحق اليقين 51 فسبح باسم ربك العظيم 52}
  ومتى قيل: إذا كان القرآن كلامه تعالى فَلِمَ أضافه إلى الرسول؟
  قلنا: فيه وجوه:
  قيل: كانوا ينكرون أن يكون كلام رسول الله، ويقولون: هو سحر، فبين أنه كلام رسوله؛ لأنه سمع منه، عن أبي علي.
  وقيل: تلاوته وأداؤه.
  وقيل: فيه حذف أي: قول مُرْسِلِ رسولٍ كقوله: {وَاسْأَلِ الْقَريَةَ}[يوسف: ٨٢] أي: أهلها.
  «وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ. وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ» الشاعر من ينشئ الشعر، ويبتدئه، والكاهن: من يقول: إن الجن تلقي إليه الأخبار، نفى عنه الشعر؛ لأن الشاعر يتبع الهوى، ويراعي النظم دون الصدق والكذب، ويقول الكذب، ولأنه ما شعر إلا وقد قيل مثله أو قريبًا منه، والقرآن بلغ في الإعجاز حَدًّا لا يأتي أحد بمثله، ولا قريبًا منه، ونفى عنه الكهانة؛ لأنها كذب وحيلة توهم العوام أنه شيء، وليس له حقيقة، قال قتادة: طهره الله من الشعر والكهانة وعصمه عنهما «قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ» صفة للمكذبين، أي: لم يتفكروا ليعلموا المعجز، ويفصلوا بينه وبين الشعبذة والكهانة «تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ» أي: أنزله هو، ولا يضره تكذيبهم «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ» أي: تَخَرَّصَ علينا، وتخلق كذبًا، قيل: ادعى الوحي فيما لم يوح إليه، عن أبي علي، وقيل: بزيادة أو نقصان، أو تغيير لو فعل ذلك «لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ» أي: لو فعل ذلك لانتقم الله منه، فنفى ذلك عنه، وبَيَّنَ عصمته، قيل: لأخذنا منه يده اليمنى على جهة الإذلال، كما يقول السلطان: يا غلام، خذ بيده، إهانة له، عن ابن جرير، وقيل: باليمين بالقوة؛ أي: انتقمنا منه بقدرة عليه، عن ابن عباس، وقيل: لقطعنا يده اليمنى، عن الحسن، وأبي مسلم، وقيل: الباء زائدة؛ أي: لأخذنا منه اليمين، والمعنى ما قاله الحسن، وقيل: (مِنْ) زائدة، والمعنى: لأخذناه وعاقبناه بالحق «ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ» قيل. نياط القلب، عن ابن عباس،