قوله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعا 19 إذا مسه الشر جزوعا 20 وإذا مسه الخير منوعا 21 إلا المصلين 22 الذين هم على صلاتهم دائمون 23 والذين في أموالهم حق معلوم 24 للسائل والمحروم 25 والذين يصدقون بيوم الدين 26 والذين هم من عذاب ربهم مشفقون 27 إن عذاب ربهم غير مأمون 28 والذين هم لفروجهم حافظون 29 إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين 30 فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون 31 والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون 32 والذين هم بشهاداتهم قائمون 33 والذين هم على صلاتهم يحافظون 34 أولئك في جنات مكرمون 35}
  لم يصبر، عن أبي عبيدة، وثعلب، وقيل: إذا أقتر جزع، وإذا أيسر منع، عن سهل، وقيل: أراد بالكفار خاصة، وقيل: الخلق عامة، وقيل: خلق ضعيفًا عن الصبر على الهلع والجزع؛ لأنه لم يكن في ابتداء خلقه يجزع ولا يهلع، ولا يشعر لذلك بحال الطفولية، ولم يرد تعالى أنه خلق فيه هذه الصفة، وإنما أراد أنه خلقه مشتهيًا محتاجًا ضعيفًا، فاقتضى أن يكون ضجورًا عند المكاره، ومنوعًا للخيرات.
  ثم بَيَّنَ تعالى عادته، فقال سبحانه: «إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا» قيل: هو جميع ما يلحقه من المصائب والمشاق التي يجب الصبر عليها، فإذا لم يصبر كان مذمومًا «وَإذَا مَسَّهُ الْخَيرُ مَنُوعًا» يمنع حق الله تعالى منه، ثم استثنى قومًا فقال تعالى: «إِلَّا الْمُصَلِّينَ» قيل: هم الصحابة خاصة، وقيل: جميع المؤمنين من كان بهذه الصفة، يعني الَّذِينَ من شأنهم الصلاة وإن شق عليهم «الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاِتهِمْ دَائِمُونَ» يعني يديمون إقامة الفرائض «وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ» قيل: ما يخرج في صدقة أو صلة رحم، عن ابن عباس، وقيل: الزكاة المفروضة، عن ابن عباس أيضًا. «لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» السائل: المحتاج الذي يسأل الناس، والمحروم: الممنوع، قيل: الَّذِين حرم الرزق وهو لا يسأل الناس، عن أبي علي، وقيل: الذي لا شيء له، خلاف المرتزق، عن أبي مسلم، وقيل: حرم أن يعطى الصدقة بتركه المسألة، عن الحسن، وأصله: المنع، وقيل: المحروم: الزَّمِنُ، وقيل: المحروم: الذي لا حظ له في العطاء، وقيل: المحروم: من أصاب ماله جائحة أو آفة، وقيل: المحروم: الكلب والسنور ونحوها مما يطوف على الإنسان «وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ» يعترفون «بِيَوْمِ الدّينِ» أي: بيوم القيامة، وقيل: بيوم الجزاء؛ لأنهم لما علموا الظالم والمظلوم، ورأوا منع المشتهى بالتكليف علموا أن هناك دارًا أخرى معدة للجزاء والانتصاف. «وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ» أي: خائفون «إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيرُ مَأْمُونٍ» أي: لا يؤمن حلوله بمستحقه وهم العصاة، وقيل: يخافون أَلَّا تقبل حسناتهم ويؤخذون بسيئاتهم، وإنما قال: «غَيْرُ مَأْمُونٍ»؛ لأن المكلف لا يعلم هل أدى الواجب كما أمر، أو هل انتهى من المحظورات؟ حتى لو قدرنا إنسانًا يعلم ذلك لَأَمِنَ «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ» لا يبذلونها «إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ» وهم الَّذِينَ بينهم عقد النكاح «أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ