قوله تعالى: {فمال الذين كفروا قبلك مهطعين 36 عن اليمين وعن الشمال عزين 37 أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم 38 كلا إنا خلقناهم مما يعلمون 39 فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون 40 على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين 41 فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون 42 يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون 43 خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون 44}
  فهو جمع الجمع، والنُّصُب والأنصاب واحد في المعنى، وقيل: بينهما فرق، ثم اختلفوا، فقال مقاتل والكلبي: النصب - بِضَمٍّ -: الأوثان، والنُّصْبُ بالجزم: الشيء المنصوب، يقال: فلان نُصْب عيني، وقال ابن عباس: إلى غاية، وذلك حين يسمعون الصيحة الآخرة، وقال الكلبي: إلى علم وراية تضرب لهم يستبقون إليها.
  ويُقال: لِم كتب {فَمَالِ} منفصلة؟
  قلنا: اتباعًا للمصحف والسلف، وقيل: اللام بمعنى الحال أي: ما حال الَّذِينَ كفروا، واللام بدل، فلما كان المبدل منفصلاً [كان] كذلك البدل.
  · اللغة: المُهْطِعُ: المسرع، قال الزجاج: هو المُقْبِلُ ببصره على الشيء، لا يزايله، وقال: إنه المادُّ عنقه، والأصل: الإسراع، أهطع يُهْطِعُ: إذا أسرع.
  «عِزِينَ» جماعات في تفرقة، واحدهم: عِزَةٌ، وجاز جمعه بالواو والنون؛ لأنه عوض مما حذف، وكذلك سَنَةٌ وسِنُون، ونظيره: قُلَةُ وقُلِين وقُلُون، وكُرَةٌ وكُرِين، قال الراعي:
  أَخَلِيفَةَ الرَّحْمَنِ إنَّ عَشِيرَتِي ... أَمْسَى سَوَامُهُمُ عِزِينَ فُلُولَا
  وخرج النبي ÷، وهم حلق حلق منصرفين، فقال: «ما لي أراكم عزين»؟ وأصله: عِزْوَةٌ من عَزَاهُ يَعْزُوهُ: إذا أضافه إلى غيره، فكأن كل واحد من هذه الجماعات مضافة إلى أخرى.
  والتبديل: تصيير الشيء موضع غيره، بَدَّلَهُ تبديلًا، وأبدله إبدالاً.
  والخوض: الدخول في الشيء، خاض الماءَ، وخاض في الحديث.
  والأجداث: القبور، واحدها جَدَثٌ.