التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم 1 قال ياقوم إني لكم نذير مبين 2 أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون 3 يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون 4}

صفحة 7093 - الجزء 10

  ثم بدأ بالتوحيد فقال سبحانه: «أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ» أي: اعبدوه وحده مخلصين «وَاتَّقُوهُ» أي: اتقوا معاصيه وعقابه «وَأَطِيعُونِ» فيما أُؤدِّيهِ إليكم من الرسالة، فإنكم إن فعلتم ذلك «يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى» قيل: إلى وقت الموت والمدة المضروبة لهم إلى المسمى لهم، فلا يهلككم بالعذاب والطوفان، وقيل: إن آمنتم زاد في أجلكم، وإن لم تؤمنوا أماتكم وأهلككم «إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ» قيل: آجال العذاب والهلاك، وقيل: آجال الموت، وقيل: أجل الآخرة «لاَ يُؤَخَّرُ» عن وقتها، وقيل: الأجل الذي وعدهم بتبقيتهم إليه لو آمنوا يبقيهم إليها «لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» أي: لو علمتم أن في عبادتكم تأخير الأجل، وزوال الهلاك، وقيل: «. لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» إذا نزل لا يزيد، وقيل: لولا جهلكم، وإلا خوف النقلة من هذه الدار إلى دار أخرى بغتة وغير تأخير يوجب للأهبة لها والإيمان بِاللَّهِ، وقيل: لو علمتم ما في التوبة من عظيم النجاة لبادرتم إليها، وقيل: معناه: اعلموا ذلك، واحذروا ما خُوِّقْتُمْ به من العذاب، عن أبي علي، وقيل: لو كنتم تعلمون ما يجب عليكم، عن أبي مسلم.

  · الأحكام: الآيات تدل على أشياء:

  منها: أن القوم كانوا كفارًا؛ فلذلك بدأ بالتوحيد والدعاء إليه، وهذا دأب الرسل يدعون إلى أهم الأمور، وهو التوحيد الذي لا يصح شيء من العلوم إلا بعده، ثم بعد قبوله يثبتون الشرائع.

  ومنها: أن الغفران إنما يحصل بمجموع ما ذكر من العبادة وطاعة الرسول والتقوى، خلاف قول المرجئة.

  ومنها: أنهم لو آمنوا لزال الهلاك، وبقوا إلى أجل مسمى، ولا تعلق للبغدادية بالآية في الأجلين؛ لأنه تعالى إذا علم أنهم إذا آمنوا أبقاهم إلى مدة كذا، وإذا لم يؤمنوا أهلكهم، علم مع ذلك أنهم يؤمنون أو لا يؤمنون فعلى المعلوم منهم تضرب مدة آجالهم، فلا يكون الأجل إلا واحدًا.