التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا 21 ومكروا مكرا كبارا 22 وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا 23 وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا 24 مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا 25 وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا 26 إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا 27 رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا 28}

صفحة 7103 - الجزء 10

  فماتوا، فحزنوا عليهم، فوسوس إليهم الشيطان، وصور لهم صورًا على صور أولئك من صُفْرٍ أو نحاس في موضع سجودهم، وانقرض أولئك، [و] وسوس إليهم الشيطان بأنها إلههم؛ ولذلك صور في مصلاهم فعبدوها، حتى بعث الله نوحًا، ونهاهم عنه، عن محمد بن كعب. وقيل: كانوا قومًا صالحين من بني آدم ونوح يقتدى بهم، فلما ماتوا صوروهم، وانقرض أولئك، وجاء آخرون، فوسوس إليهم إبليس أنهم كانوا يعبدونهم، فعبدوهم، عن محمد بن قيس، وقيل: كان نوح يحرس جسد آدم بالهند ويحول بينه وبين الكفار، فوسوس إليهم إبليس، وقال: أنا أصور لكم مثله تطوفون به، فنحت خمسة أصنام وَدلَّهُمْ على عبادتها، فلما كان أيام الغرق طم الترابُ تلك الأوثانَ، وأخرجها الشيطان للعرب، فعبدوها، عن ابن عباس، وقيل: كان ود على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة نسر من الطير، عن الواقدي، وقيل: كانت هذه أسماء رجال نقلوها إلى هذه الأصنام.

  «وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا» يعني ضل بسبب هذه الأصنام كثير من الناس، فأضاف الضلال إليها؛ لما وقع بسببها، كقوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}⁣[إبراهيم: ٣٦] عن أبي علي، وقيل: المراد أن أكابرهم أضلوا أتباعهم، عن أبي مسلم. «وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا» قيل: هلاكًا، وقيل: ذهابًا عن الجنة والثواب «مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ» معاصيهم «أُغْرِقُوا» في الدنيا، ثم نقلوا إلى النار «فَأُدْخِلُوا نَارًا» واختلفوا في هذه النار، فقيل: هي في قبورهم؛ لأن الفاء للتعقيب، وقيل: بل النار في الآخرة أي: سيدخلون «فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ» غير الله «أَنْصَارًا» تنصرهم فتدفع عنهم العذاب «وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ» أي: لا تدع، قيل: إنه دعا بإذن الله لما أيس من إيمانهم، وقيل: ما دعا عليهم حتى نزل: {لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ}⁣[هود: ٣٦] عن قتادة. فكأنه أذن له في الدعاء «عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا» أحدًا يدور «إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ» يعني يتواصون بمخالفة نوح وتكذيبه «وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا» أي: لا يلد إلا من يكفر عند بلوغه حد التكليف كافرًا؛ لأن الطفل لا يكون كافرًا، وقيل: إنما قال