التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا 16 لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا 17 وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا 18 وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا 19 قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا 20 قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا 21}

صفحة 7121 - الجزء 10

  والغَدَقُ: الواسع، وماء غَدَقٌ: كثير، وغَدِقَ المكان يَغْدَقُ غَدَقًا إذا كثر الماء فيه، وهو غَدِقٌ به، عن الزجاج، قال أمية لعله: بن أبي الصلت:

  مِزَاجُهَا سَلْسَبِيلُ مَاؤُهَا غَدَقٌ ... عَذْبُ المْذَاقَةِ لاَ مِلْحٌ وَلاَ كَدرُ

  وفي حديث الاستسقاء: «غيثا غدقًا» أي: كثير الماء.

  والصَّعَدُ: الغليظ الصعب، والعرب تضرب المثل في الأمر الغليظ بالصعود في العقبة الكؤود، ومنه: {سَأُرْهِقُهُ صَعُوَدًا}.

  واللِّبَدُ: القطع المتراكبة المتكاثفة، ومنه: اللَّبَدُ لتراكب صوفه، والمتلبد من الشيء: المتراكب بعضه فوق بعض، ولَبَّدَ رأسه: إذا ألزق بعض شعره ببعض.

  · النزول: قيل: قالت الجن للنبي ÷: كيف لنا أن نأتي المسجد ونشهد معك الصلاة، ونحن ناؤون عنك؟ فنزل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ}، عن سعيد بن جبير.

  · المعنى: ثم عقب تعالى بعد انقضاء حكاية الجن بالوعد والوعيد، فقال سبحانه: «وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا» في الدين علمًا وعملاً، وقيل: لو استقاموا على طريقة الحق بأن كانوا مطيعين «لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا» أي: وسعنا عليهم الرزق والنعم لنختبرهم كيف شكرهم للنعم، عن سعيد بن المسيب، وعطاء، والضحاك، وقتادة، ومقاتل، وعطية، والحسن، وأبي علي، قال الحسن: كان والله أصحاب محمد مستقيمين، ففتحت عليهم كنوز كسرى وقيصر، ففتنوا بها، فوثبوا بإمامهم، فقتلوه يعني عثمان، ونظيره: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}⁣[الأعراف: ٩٦] وقوله تعالى في قصة نوح: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ}⁣[نوح: ١٠] على ما تقدم، وقيل: لو استقاموا على الطريقة المستقيمة من الدين لجعل الله لهم سقيًا، وذلك يحتمل سعة الرزق في الدنيا، ويحتمل نعيم الآخرة في الجنة، ويحتمل الأمرين جميعًا، ويكون معنى