التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا 16 لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا 17 وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا 18 وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا 19 قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا 20 قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا 21}

صفحة 7123 - الجزء 10

  لا إله إلا الله، لا أدعو مع الله أحدًا، وقيل: يدعوه بالوحدانية، وقيل: اذكروا الله فيها واعبدوه، ولا تتخذوها متجرًا ولا طرقًا، ولا تجعلوا لغير الله فيها نصيبًا «وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ» وهذا أيضًا هو الوحي المنزل على نبيه ÷، يعني: محمدًا ÷ «يَدْعُوهُ» يقول: لا إله إلا الله «كَادُوا» يعني: الجن «يَكُونُونَ عَلَيهِ لِبَدًا» قيل: يركبونه حرصًا على سماع القرآن، عن ابن عباس، والضحاك، وأبي علي، وقيل: كادوا يكونون عليه جماعات متكاثفة بعضها فوق بعض؛ ليزيلوه بذلك عن دعوته، وقيل: كان أحب الأسماء إلى رسول الله، ÷ عبد الله؛ خضوعًا للَّه، وقيل: لما قام عبد الله للدعوة تلبدت الجن والإنس على هذا الأمر ليطفئوا نور الله {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ}⁣[الصف: ٨] ويظهره على من نَاوَأَهُ، عن الحسن، وقتادة، وابن زيد، وقيل: هدا من كلام الجن، لما انصرفوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب رسول الله ÷ واقتدائهم به، وقيل: بل من كلام الله لنبيه لما كان من حرص الجن على استماع القرآن، وقيل: لما دعا قريشًا إلى التوحيد اجتمعوا، وازدحموا عليه حنقًا وغيظًا و «كَادُوا» يعني المشركين تلبدوا عليه لإبطال أمره، وهذا يقرب من قول الحسن، وقيل: هذا هو الوجه؛ لأنه عقبه بقوله: «إِنَّمَا أَدْعُو رَبّي» ولأنه ذمهم على ذلك، ولو كان حرصًا لما ذمهم، وقيل: تعجبوا واجتمعوا تعجبًا من نزول القرآن والدعاء إلى الحق، ولم يعلموا أن العجب من تركهم القادر العالم الحي السميع البصير وعبادتهم لحجر لا ينفع ولا يضر «قَالَ» يعني: محمدًا ÷ قال، [و] على القراءة الأخرى «قُلْ» يا محمد لهم: «إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي» أي: ليس هذا بِبِدْع؛ لأني أدعو ربي، وأدعو إلى توحيده وعدله، وتنزيهه عما لا يليق به، «وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا. قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ رَشَدًا» قيل: خطاب للمشركين الَّذِينَ تجمعوا لإبطال أمره أي: لا أملك عذابكم، ولا نجاتكم بل الأمر فيه إلى الله تعالى، وهذا اعتراف بالعبودية، وإضافة الحول والقوة إليه تعالى.