قوله تعالى: {قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا 22 إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا 23 حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا 24 قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا 25 عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا 26 إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا 27 ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا 28}
  · النزول: قيل: إذ المشركين قالوا لرسول الله ÷: إنك أتيت بأمر عظيم لم يُسمع بمثله، وقد عاداك الناس، فارجع، عن هذا، ونحن نجيرك، فأنزل الله تعالى: {إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي} الآية، وبين لنبيه ÷ ليقول لهم: إن أحدًا لا يجير على الله؛ لأنه قادر لذاته، لا يجوز منعه عن مراده.
  · المعنى: ثم أمر تعالى نبيه أن يبين لهم أن المالك النفع والضر، وعالم الغيب هو الله تعالى، وأنه رسول ليس عليه إلا البلاغ، فقال سبحانه وتعالى: «قُلْ» يا محمد «إِنّي لَنْ يُجيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ» أي: لا يمنعني من أمر يريده بي «وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ» سواه «مُلْتَحًدًا» قيل: ملجأ أميل إليه، عن قتادة، وقيل: نصيرًا، وقيل: مدْخلًا في الأرض مثل السرب، عن الكلبي، وقيل: حرزًا، عن السدي. «إِلَّا بَلاَغًا مِنَ اللَّهِ» يعني تبليغًا لرسالته فإنه مَلْجَئِي وملتحدي، وفيه لي الأمر والنجاة، عن الحسن، وأبي علي، وقيل: لا أملك لكم ضرًّا ولا رشدًا، فما عَلَيَّ إلا البلاغ عن الله، كأنه قيل: لا أملك شيئًا سوى تبليغ وحي الله تعالى بتوفيقه وعونه، عن قتادة، وقيل: لا يجيرني من الله أحد إن لم أبلغ رسالته، وإن بلغت كان هو لي مجيرًا، وقيل: لا أملك إلا ما ملكت، وإنما أنا رسول، فليس لي إلا البلاغ، وقال أبو مسلم: يحتمل (بلاغًا) معنيين:
  أحدهما: إلا ما بلغني من الله وأتاني، أي: لا يجيرني شيء إلا ما أتاني من الله تعالى، ولا فرق بين أن يقول: آتاني كتابه، وبلغني كتابه، والمراد ما تَعَبَّدَهُ به.
  والثاني: التبليغ أي: لا أملك إلا تبليغ ما أنزل إليَّ، فأما القبول والإيمان به فليس لي، وإنما هو إليكم.
  {وَرِسَالَاتِهِ} لما عطف الرسالة إلى البلاغ أوجب أن يكون غيره، فيحتمل أنه أراد