قوله تعالى: {قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا 22 إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا 23 حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا 24 قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا 25 عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا 26 إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا 27 ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا 28}
  بالبلاغ ما بلغ من توحيد الله وعدله وصفاته، وما يجوز عليه، وما لا يجوز، وأراد بالرسالة ما أرسل لأجله من بيان الشرائع التي لا تتم إلا به، ويحتمل أن يكون للتأكيد جَمَعَ بينهما.
  ولما بَيَّنَ أنه لا ملجأ من عذابه إلا طاعته، عقَّبه بوعيد من خالفه، فقال سبحانه مبينًا أن هذا دأبه في جميع المكلفين: «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» أي: خالف أمره وارتكب ما نهى عنه، قيل: هو في الإبلاغ ليتصل بما قبله، ويعلم أنه كما يجب على الرسول الإبلاغ يجب على غيره، وقيل: هو عام يدخل فيه البلاغ وغيره، وهو الوجه. «فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا» أي: مقيمين لا يبرحون عنها «حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ» من العذاب، قيل: هو عذاب الاستئصال في الدنيا، وقيل: عذاب الآخرة «فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا» أهم أم النبي ÷، والله تعالى ناصره ومعينه، وكذلك أنبياؤه وملائكته، والمراد أنه لا ناصر لهم، ولا عدد، وأن النبي وحزبه هم المنصورون، وقيل: كان المشركون يصفونه بقلة العدد، ويفتخرون بكثرة جموعهم، فَبَيَّنَ تعالى أن الأمر سينعكس عليهم، وفيه زجر عن الكفر والمعاصي، والاغترار بالأتباع «قُلْ» يا محمد «إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ» قيل: أراد القيامة، وقيل: أراد العذاب، أي: لا أعلم أن ذلك قريب يعجل «أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا» أي: أجلاً وغاية تطول مدتها «عَالِمُ الْغَيبِ» أي: هو عالم الغيب، فيعلم متى يكون يوم القيامة «فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا» أي: لا يُطْلِعُ على غيبه أحدًا «إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ» أي: من يصطفيه ويختاره ويرتضيه من رسول، ويعلم أنه يصلح للرسالة، فيطلعه على ما يشاء من الغيب على ما يرى به من المصلحة، عن قتادة. «فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا» أي: حافظًا، قيل: أراد علم ما مضى من أخبار الأمم وأنبيائهم، وما جرى عليهم من أذى قومهم، وما أعد لهم من الثواب، وفيه تقوية لقلبه، وقيل: معناه: تعريف ما كان وما يكون، فيكون العلم بذلك كالرصد له، والرصد: الطريق، ويقال: سلكه وأسلكه؛ أي: سلك به طريقًا يهون معه القيام بأمر النبوة، وقيل: كان إذا نزل الوحي بعث الله جبريل ومعه ملائكة يحرسون الوحي حتى لا يسترقه، فيحرسون النبي ÷ من كفار الإنس والجن إلى أن يؤديَ، ويبلغَ إلى الخلق