التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها المزمل 1 قم الليل إلا قليلا 2 نصفه أو انقص منه قليلا 3 أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا 4 إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا 5 إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا 6 إن لك في النهار سبحا طويلا 7 واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا 8 رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا 9 واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا 10}

صفحة 7137 - الجزء 10

  وصف يوم القيامة بأنه ثقيل؛ لما فيه من الأمور العظام، وقيل: كان ثقيلاً نزوله، بأنه كان عند نزوله يتغير حاله، ويعرق، وإذا كان راكبًا تَبْرُكُ راحلته ولا تمشي «إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا» قيل: ما ينشئه الله للنبي ÷ في الليل، فيوحي به إلى رسوله ليلاً كان أشد مواطأة ووطاء بالهمز أي: ثباتًا ورسوخا في قلبك لفراغه، عن أبي مسلم، وقيل: ناشئة الليل: موافقة ساعاته كلها، وكل ساعة ناشئة؛ لأنها تنشأ، وجمعها:

  ناشئات، عن ابن عباس، وابن الزبير، وقيل: ناشئة الليل: ساعات التهجد من الليل، كل وقت قام من الليل فقد نشأ، عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وابن زيد، وقيل: ناشئة الليل أول الليل، وهو ناشئ، فأدخلت الهاء للمصدر، وقيل: ما قمت من أول الليل، فهو ناشئة، عن عكرمة، وقيل: ناشئة الليل ما كان بعد العشاء الآخرة، عن الحسن، وقتادة، وقيل: ناشئة الليل بين المغرب والعشاء، عن علي بن الحسين، وكان يصلي بينهما، ويقول: هذه ناشئة الليل، وقيل: ناشئة الليل: القيام بعد النوم، عن عائشة، وقيل: القيام آخر الليل، عن ابن كيسان. «أَشَدُّ وَطْئًا» قيل: واطأ القلب اللسان، وواطأه، عن مجاهد، وقيل: أن يواطئ قلبه وسمعه وبصره ولسانه، عن ابن عباس، فأما «وطاء» قيل: أثبت في الخير والقراءة، عن مجاهد، وقيل: أثبت قيامًا، عن الفراء، وقيل: أشد على المصلي من صلاة النهار، عن أبي علي، وقيل: أفرغ له قلبًا من النهار، عن ابن زيد. فخص الله تعالى ساعات الليل لأحد وجهين:

  أحدهما: أنه أشد موافقة للقراءة، وموافقة للسمع والقلب واللسان لخلوص القلب من الشواغل، ويتدبر معانيه، ويفهم ما أريد منه، ولا يقطعه عنه قاطع؛ ولأن العين بالنهار تبصر الأشياء وتشغل القلب، وبالليل لا تبصر شيئًا للظلام، فيكون أوفق للقراءة.

  وثانيها: لمشقته على النفس وثقله؛ لأنه يفارق الفراش ويهاجر لذيذ النوم، ويصلي والناس نيام.

  «وَأَقْوَمُ قِيلاً» قيل: أقوم قراءة وأصوب لفراغ قلبه من شغل الدنيا، عن ابن زيد، وقيل: أشد استقامة في القراءة، عن أبي مسلم. «إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا» قيل: