التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون 219 في الدنيا والآخرة}

صفحة 881 - الجزء 1

  والثالث: في ذكر النفقة.

  الرابع: في دلالات إلآية.

  أما الأول: فالكلام في الخمر يشتمل على فصول:

  أولها: تحريمها، ولا شبهة في تحريمها؛ لأنها كانت حلالاً ثم حرمت، وعلم ذلك من دينه ضرورة حتى يكفر جاحده، ويفسق شاربه. واختلفوا، فقال الحسن وجماعة: حرمت بهذه الآية، وهو اختيار القاضي؛ لأنه بين أن فيه إثمًا كبيرًا، لا لأنه يحمل على ما يحصل منه؛ لأنه خلاف الظاهر، والإثم الكبير لا يحصل إلا من شيء محرم، وقال قتادة وأبو علي: إنما حرمت بآية المائدة، ورووا عن بعض المتقدمين ذلك، وأن السكر حرم بقوله: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}.

  ورووا في ذلك حديثًا طويلاً، وتوقفًا عن بعض الصحابة، قال القاضي: وهذا لا يصح؛ لأن ما فيه إثم كبير لا يكون إلا محرمًا، ولأنه أبلغ في التحريم من النهي، ولو ثبت لتوقع توقف الصحابة، وإن ثبت فيحتمل النهي [على] أنه لتوقع نزول ما هو آكد.

  وثانيها: الكلام في ماهيه الخمر: فقيل: هو عصير العنب إذا اشتد وغلا وقذف بالزبد عن أبي حنيفة وجماعة من العلماء، وهو خمر بالإجماع. وقيل: ما أسكر كثيره فقليله خمر، وهو مذهب الشافعي. والأول أصح لحديث النبي ÷: «حرمت الخمر لعينها، والسكر من كل شراب» ولأن ما قلناه إجماع، وما عداه لم يثبت