التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة 1 ولا أقسم بالنفس اللوامة 2 أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه 3 بلى قادرين على أن نسوي بنانه 4 بل يريد الإنسان ليفجر أمامه 5 يسأل أيان يوم القيامة 6}

صفحة 7178 - الجزء 10

  ذات اللوم الكثير لما سلف منه، وقيل: اللوامة: التفس المؤمنة أبدًا، يلوم نفسه في الدنيا ويحاسبها. ويقول: ماذا فعلت؟، لم قصرت؟ وهلا فعلت كذا، ولو فعلت كذا لكان خيرًا لك، فيفكر أبدًا في العواقب، ويلوم نفسه، وإن الفاجر يمضي قدمًا لا يفكر في الآخرة، ولا يحاسب نفسه، ولا يعاتبها، عن الحسن، وقيل: هي البرة والفاجرة، فالبر على التقصير، والفاجر على الفجور، عن ابن عباس، والفراء، وهذا من البر إنما يكون على وجه التمني لا اللوم؛ إذ لو جاز أن يلوم نفسه جاز لغيره أن يلومه. وقيل: تلوم على الخير والشر، ولا تصبر على السراء والضراء، عن سعيد بن جبير، وعكرمة، وأبي علي، وقيل: النفس أمارة بالسوء كثيرة الحرص والأمل، فهي ملومة أبدًا، وقيل: اللوامة الذي مِنْ عادته اللومُ، فيلوم نفسه وغيره، كما يقال: كذاب لِمَنْ عادتُهُ الكذب «أَيَحْسَبُ» يظن «الْإِنْسَانُ» يعني الكافر المنكر للبعث «أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ» بعد تفرقها، وكونها رميمًا لا نجمعها، ولا نحييها، وقيل: ذكر العظام، والمراد النفس؛ يعني لا يبعث حَيًّا ولا يجمع بين أجزائه عند البعث، فقال تعالى مقررًا لذلك: «بَلَى قَادِرِينَ» قيل: تقديره: بلى، ونحن قادرون على جمعها وبعثها وإحيائها، وقيل: تقديره: بلى نقدر على جمع عظامه، وعلى ما هو أعظم، وقيل: بلى نجمع، ونحن قادرون استقبالاً بمعنى الحال «عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ» يعني بلى نقدر على تسوية بنانه، وهي أطراف الأصابع، واختلفوا في معنى هذا، فقيل: نقدر أن نجعلها كالخف والحافر، عن ابن عباس، وقتادة. فيتناول المأكول بفمه، ولا ينتفع انتفاعه بأنامله، ولكنا مننا عليه بذلك، وقيل: لو جعلنا ذلك لامتنع عليه الأخذ والإعطاء، والقبض والبسط، وكثير من التصرفات، ففرقنا بين أصابعه ليتهيأ له جميع ذلك، وقيل: بلى، من يقدر على تأليف البنان مع صغرها وكثرة المفاصل فيها والأعصاب والعروق فيها، فهو على إعادتها أقدر منه، بابتداء الخلق على الإعادة، وقيل: بلى، قادرين على أن نسوي بنانه حتى نعيده إلى ما كان قبلها سويًّا، عن أبي علي، وأبي مسلم. «بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ» قيل: معناه: يمضي أمامه قدمًا