التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به 16 إن علينا جمعه وقرآنه 17 فإذا قرأناه فاتبع قرآنه 18 ثم إن علينا بيانه 19 كلا بل تحبون العاجلة 20 وتذرون الآخرة 21}

صفحة 7185 - الجزء 10

  في قلبهم، فإن علينا بيان الأدلة، فإذا بَيَّنَّا فاتبع أنت وَكرِّرْ، فإنهم غافلون عن ذلك، ألهاهم حب العاجلة حتى نسوا حديث الآخرة، فيحتاجون إلى زيادة تنبيه وتقرير.

  وقيل: الخطاب للكفار يوم القيامة، فلما قال: {يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} بين كيف ينبه فقال: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} أي: ما تقرأه من صحيفتك التي فيها أعمالك، يعني: اقرأ كتابك ولا تعجل فإن هذا الذي هو على نفسه بصيرة إذا رأى السيئات والمؤاخذة بها ضجر واستعجل؛ لينظر بعد كل سيئة ما يأتي بعدها، وهكذا العادة من يقرأ كتابًا فيه أشياء تخزيه يستعجل ليعلم، فيقال له تقريعًا وتوبيخًا: لا تعجل وتثبت لتعلم الحجة عليك، فإنا نجمعها لك، فإذا جمعناه فاتبع ما جمع عليك بالانقياد لحكمه، والاستسلام لتبعته، ولا يمكنك إنكاره {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} لو أنكرت، وإنما أتيت ذلك لحبك العاجلة، وهذا الوجه أليق بما قدم وأخر، غير أن الأول أقرب إلى الظاهر.

  وقيل: قوله: {تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} يتصل بقوله: {بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} أي: لمحبة العاجلة يفجر أمامه، فيختار ملاذ الدنيا على نعيم الآخرة.

  · المعنى: «لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ» يعني بالقرآن والوحي «لِتَعْجَلَ بِهِ» أي: تقرأه لتحفظه ولا تنساه «إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ» قيل: إن علينا جمعه في صدرك حتى تحفظه، وقرآنه عليك حتى تعيد ويمكنك بيانه، عن ابن عباس، والضحاك، وقيل: إن علينا جمعه في صدرك، وتأليفه على ما نزل عليك، عن قتادة، وقيل: علينا حفظه عليك لتصل إلى الأداء، فأشار إلى أن المقصود ليس مجرد التلاوة والحفظ؛ بل التدبر فيه، ومعرفة معانيه وأحكامه، ولأن الحفظ من فعل الله، ومعرفة معانيه من فعل النبي ÷، كأنه قال: اشتغل بما لزمك دون ما هو إليَّ من الحفظ.

  ومتى قيل: أليس الحفظ لا يحصل إلا بعد تكرير التلاوة؟

  قلنا: العادة مختلفة فيه، وفي زمان الأنبياء يجوز نقض العادة معجزة له حتى كان النبي ÷ يحفظ الكثير من غير تلاوة وتكرار.